وراءها غاية أم يسير الوجود كله بلا هدف ولا غاية؟ وما الغاية إن كان هناك؟ ومن صاحب الغاية؟ ومن يدبر الأحداث؟ ويهتدي الإنسان إلى الحقيقة، فيعلم أن مدبر الأحداث هو خالق الكون، وأنه يجري الأحداث بمشيئته وقدره، وأن له حكمة من وراء ذلك يعلمها البشر أحيانا ويجهلونها أحيانا.. أو يضل فلا يعرف الغاية ولا يعرف الحكمة ويحسب الأمور تجري خبط عشواء.. ولكنه في كل حالة يعلم أن هناك مشيئة تجري بمقتضاها الأحداث، وأنها ليست مشيئة البشر إنما مشيئة كائن أعلى من البشر، فيشعر نحوه بالرهبة وقد يشعر نحوه بالإجلال.
ويتلقى حس الإنسان إيقاعات "ذاتية" دائمة من شعوره الدائم بالعجز.. يولد الطفل عاجزا تمام العجز لا يقدر على شيء. ولولا رعاية الذين يحيطونه وإمدادهم له بالغذاء وقضاؤهم له حاجاته ما استطاع أن يعيش، ورويدا رويدا يقدر على شيء من الحركة وهو محمول في حضن والديه أو المكلفين برعايته، حتى يستطيع في وقت من الأوقات أن يجلس مستقلا بعض الشيء. وفي اللحظة التي "يقدر" فيها على الجلوس يحس "بالعجز" عن المشي! ويجاهد حتى يتمكن أخيرا من الحبو على الأرض.
وفي اللحظة التي يقدر فيها على الحبو يحس بالرغبة في الوقوف والعجز عن تحقيق تلك الرغبة! وفي مرحلة تالية يتمكن من الوقوف ولكنه يحاول المشي فيقع على الأرض ويحس بالعجز عن تحقيق ما يريد.. وتمضي الأيام والسنون فيمشي ويجري ويخرج إلى الطريق ويتعلم العلم ويحس "بالقدرة" على أشياء كثيرة لم يكن يقدر عليها من قبل ...
فهل تنقضي رغباته؟ وهل يكف عن الشعور بالعجز؟
كلا! إنه هكذا ركب في طبيعته.. كلما حقق حلما راح يشتاق جديدا, ولم يقنع بما وصل إلى تحقيقه بالفعل، حتى حين ركب الصاروخ ووصل إلى القمر ونزل على سطحه.. حتى حين سيطر على كثير من شئون البيئة من حوله ونظمها حسبما يريد.. حتى حين اخترع من الآلات ما صار يحقق في جزء من الثانية ما كان يستغرق منه الساعات والأيام والشهور ولا يحكم تنفيذه.. حتى حين وصل إلى ذلك كله فهل رضيت نفسه، وقال: لقد حققت وجودي كاملا فما أرغب المزيد؟!