يظن. ذلك حين يموت أمامه كائن حي يعرفه، سواء كان القطة التي كان يلهو بها، أو العصفور الذي يراه يقفز فوق الأغصان، أو قريبا له كان يحبه ويتعلق به.. وعندئذ تفعل المفاجأة فعلها في نفسه، فتهزه من أعماقه وتثير الأسى في قلبه، ويظل التأثر بالموت يصاحبه كلما جد له داع من دواعيه.. حتى يأخذ دوره في الركب الراحل عن الحياة.
وتظل الظاهرتان معا، ظاهرة الموت وظاهرة الحياة، تهزان كيانه، وتبعثانه يتساءل: من وراء ذلك؟ من وراء الحياة يخلقها بكل مظاهرها، ومن وراء الموت الذي ينهي الحياة ويقف دفعتها عن السريان؟! ويهتدي فيعرف الله على حقيقته، وأنه هو المحيي المميت، أو يضل فينسب الحياة إلى مصدر والموت إلى مصدر آخر كما كان يفعل "الدهريون" أو ينسبهما معها إلى آلهة آخرى غير الله. ولكنه يعلم -على الأقل- أن واهب الحياة هو خالق الخلق فيتعبده ويترضاه.
ويتلقى الحس البشري إيقاعات كذلك من جريان الأحداث من حوله:
فهذا الوجود حوله ليس ساكنا في أي حالة من حالاته.
فهناك الليل والنهار حركة يومية دائبة تنقل الأشياء كلها من النور إلى الظلمة ومن الظلمة إلى النور، وهناك دورة الفلك حركة سنوية دائمة تنقل الأشياء كلها من الربيع إلى الصيف، ومن الصيف إلى الخريف ومن الخريف إلى الشتاء ومن الشتاء إلى الربيع، مع ما يصحب ذلك من اختلاف مستمر في الحرارة والبرودة والجفاف والرطوبة واخضرار الزرع وجفافه وإيناعه وإثماره ونضجه وسقوطه، واختلاف مستمر في نشاط الإنسان وأحواله بما يناسب الجو وأحواله والعمل وأحواله.
وهناك حركة الحياة والموت في الأحياء لا بوصفها "ظاهرة" ولكن بوصفها حركة تنتج عنها أحداث، هذا يولد وهذا يموت، وهذا يكون صغيرا فينمو، وصحيحا فيمرض أو مريضا فيصح. وهذا غني فيفتقر أو فقير فيغنى، وتدول دول وتولد أخرى، وتحدث حروب وسلم، وهزيمة ونصر، ورفع في مكانة الناس وخفض، وتقدم وتأخر، وعز وذل ...
وتشد الأحداث انتباه الناس وتهزهم، فيروحون يتساءلون: هل هناك "رابط" بين الأحداث؟ وهل هناك "نظام"؟ أم إنها تحدث كيفما اتفق؟ وهل