بلغة ذات رموز وتراكيب؟ كيف تأتي للأصوات المبهمة أن تكون ألفاظا محددة، وكيف تم للألفاظ أن تعبر عن المعاني.. وكيف تعددت اللغات التي تعبر عن ذات المعاني ما بين شعب من البشر وشعب، وكلهم "نوع" واحد. يعاني تجربة واحدة هي تجربة الحياة في هذه الأرض؟!

وهذه المعاني.. هذه الأفكار المجردة.. كيف تمت؟

وعملية التفكير ذاتها.. وعملية التذكر.. كيف تتم هذه وتلك؟

وكيف "ينمو" هذا كله مع نمو الطفل.. كيف تنمو قدرته على الكلام، وقدرته على التفكير والتذكر؟

وكيف اختص "الإنسان" -دون مقدمات من الكائنات الأدنى منه- بخاصية التفكير المجرد، وخاصية الرمز للأفكار بالكلمات ذات الأصوات والحروف والمقاطع، وخاصية الإبداع المادي والمعنوي، فصارت له حضارة وصار له تاريخ؟!

ثم.. ذلك الجانب الآخر من "الحياة" الذي يسمى "الموت".

ما سره؟ كيف يحدث؟ من الذي يملكه؟

إن الطفل -لفرط حيويته- يتخيل الوجود كله "حيا" مثله.. ويتخيل أن الحياة هي الأمر الطبيعي لكل الأشياء.. فيتعامل مع اللعبة التي يلعب بها، كما يتعامل مع الباب والنافذة والكرسي والعصا على أنها كائنات حية، تفهم عنه لغته التي لم تتبلور بعد، وتتجاوب معه وإن لم تنطق بحرف!

ثم ينمو إدراكه ويعرف بطبيعة حال أن هناك أحياء حقيقيين، وأشياء أخرى لا حياة فيها، كان هو يخلع الحياة عليها في طوره السابق، واليوم يعلم أنها لا تتحرك من ذات نفسها ولا تأكل ولا تشرب ولا تتغير حالها كما تتغير أحوال الأحياء، ولكنه من فرط حيويته لا يزال يخلع عليها الحياة وهو عالم بأنها غير حية في حقيقتها، ويكلمها ويتخيل أنها ترد عليه، ويضربها أو يربت عليها، ويتخيل أنها تتألم وتبكي أو تسر وتفرح، كما يتخيل الشاعر فيما بعد وهو يكلم الأطلال ويستوحيها ويناجي "الطبيعة" ويتخيل أنها ترد عليه!

ثم ينضج في يوم من الأيام حتى يدرك إدراكا لا لبس في أن هناك فارقا حاسما بين الأحياء وغير الأحياء من الكائنات. ولكنه بعد يفترض أن الحياة دائمة في الأحياء كما أن الجمود دائم في الجوامد من الأشياء.

ولكنه ذات يوم يفاجأ بحقيقة الموت، وبأن "الحياة" ليست دائمة كما كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015