عدد "الكروموسومات" بالنسبة للإنسان كله واحد، ولكن الإنسان أكثر كائنات الخلق تعددا في صوره وأشكاله، فهذا قصير وهذا طويل وهذا أبيض وهذا أسود، وهذا أزرق العينين وهذا داكن ... وهذا عبقري وهذا خامل ... وهذا موهوب في الأدب وهذا موهوب في الرياضيات ... وهذا جلد صبور وهذا مستثار حائر.. كل إنسان تركيبة وحده، وهو مكون من ذات العناصر.. من ذات العدد من حاملات الصفات الوراثية التي يحملها "الإنسان" ولكنها في كل فرد غيرها في الفرد الآخر، فلا يكاد يتماثل اثنان في ملايين البشر في الجيل الواحد ولا في جميع الأجيال, بل تصل الدقة في بصمات الأصابع إلى حد تصبح معه من وسائل التعرف؛ لأنها لا تتكرر في فردين اثنين من بين ملايين الأفراد!
كيف يحدث ذلك كله؟ كيف تحدث هذه العجائب التي لا ينقضي العجب منها سواء في تكوين المادة أو في تكوين الكون كله. أو في المادة الحية من أول الكائن الوحيد الخلية إلى الإنسان، أو التناسق و"التوازن" في بنية الكون، وخاصة ذلك التوازن الكائن في تلك المجموعة الشمسية التي منها أرضنا، والتي يتبدى التنسيق الدقيق فيها بحيث لو اختل عنصر واحد منها ما أمكنت الحياة على صورتها الحالية ولا أمكن استمرار الحياة.. لو اقتربت الأرض من الشمس أكثر تحترق الكائنات الحية ولو ابتعدت أكثر تهلك من الصقيع.. لو اقترب القمر من الأرض أكثر لارتفع المد حتى يغرق كل الأرض ... ولو زاد الأكسجين لاشتعلت الكائنات ولو قل لم تجد كفايتها للحياة.
كيف يحدث ذلك كله؟ من غير خالق مدبر حكيم؟
ويتلقى الحس البشري إيقاعات من الحياة من حوله. الحياة ذاتها إعجاز.. كيف تكونت الحياة أول مرة من الموات؟
ثم كيف تعددت على هذا النحو الذي نراه، من نبات وحيوان وإنسان؟ ثم في أنواع النبات المختلفة وأنواع الحيوان المختلفة وأشكال الإنسان المختلفة؟
ما الحياة؟ ما سرها؟ من واهبها؟ وكيف يهبها؟
كيف "ينمو" الكائن الحي وتتغير أحواله من طور إلى طور..؟
والكائن البشري بالذات.. المعجز في كل تفصيلاته ... كيف تتم عمليات النمو المختلفة فيه.. كيف يتعلم الكلام؟
إن الكلام ذاته معجزة لا يحيط بها العقل البشري! كيف تم للبشر أن ينطقوا