بل رأى أعجب من ذلك حين فتتت الذرة وأطلق منها "الطاقة".
إن الذرة ليست "مادة" مصمتة كما كان يتخيل أول الأمر، وليست هي الصورة النهائية "للمادة" ولكنها جسيمات كهربية موجبة وسالبة ومتعادلة، يمكن تفتيتها وتفكيكها فتتحول إلى طاقة، والطاقة يمكن أن تتحول إلى مادة، ولا يوجد ذلك الحاجز الذي كان يتخيله بين المادة وبين الطاقة.. والكون في النهاية طاقة تأخذ صورا شتى. صورة متكتلة في هيئة المادة، وصورة منطلقة في هيئة شعاع ضوئي، وصورة منطلقة في هيئة جاذبية مغناطيسية، أو مغناطيسية كهربية تحير الألباب!
ورأي من بين ما رأى عجبا عاجبا في تكوين الجنين ونموه المتتابع حتى يصبح خلقا تام التكوين.
فهو في أصله بويضة ملقحة وحيدة الخلية، تتكاثر عن طريق الانقسام المستمر إلى خلايا جديدة متشابهة في التكوين ولكنها متخصصة، وإلى أن تكون مضغة لا يظهر للعين ذلك التخصص. ولكن في وقت معين مقدر محدد. تصدر لكل خلية أوامر خفية، فهذه الخلية يصدر لها أمر أن تكون هي الأنف، وتلك الخلية يصدر لها أمر أن تكون هي العين، وثالثة يصدر لها الأمر أن تكون هي القلب. ثم تتكاثر كل منها على النحو المقدور لها فيتكون من تكاثرها أنف وعين وقلب وبقية الأعضاء..
ثم هناك "الجينات" أو "المورثات" متناهية في الصغر كالذرات.. عجيبة كل العجب في شأنها كله.
فكل جنس من أجناس الكائنات له عدد محدد من "الكروموسومات" حاملات الصفات الوراثية لا يتجاوزها في كل فرد من أفراده، تحدد له خصائصه كلها من أعضاء وقدرات وأعمال, فالكلب له عدد من "الكروموسومات" معين، والحصان له عدد معين والقرد له عدد معين.. والإنسان هو أكثرها عددا.. ولا يتجاوز كل جنس حدوده إلى جنس آخر، محكوما بعدد هذه الكروموسومات وما تحمله في داخلها من الخصائص.. فلا يستطيع القرد أن يكون إنسانا في يوم من الأيام ولا في جيل من الأجيال!
ثم هذا الإنسان، أعجب مخلوقات الله وأشدها إعجازا، وإن كان الخلق كله معجزا بالنسبة إلينا، وهينا بالنسبة للخالق الذي يقول للشيء كن فيكون، ولا يتعب في تشكيله وتكوينه كما تتعب المخلوقات!