فحيث تكون دعاوى الإنسانية والعالمية والتسامح في كل النظم مجرد شعارات لا رصيد لها من الواقع، فإنها في الإسلام واقع حقيقي، لا دعاوى ولا شعارات مرفوعة بغير رصيد.
والإسلام دين الله الحق، وكل أمر فيه -بما في ذلك الجهاد لنشر الدعوة، والتميز والاستعلاء بالإيمان، واعتزال أدران الجاهلية وعدم المشاركة فيها- هو أمر رباني، لم يبتدعه المسلمون من عند أنفسهم، ولا قاموا به لصالح لأنفسهم، إنما تنفيذا لأمر الله، سواء وقع عليهم منه في الأرض الغنم أو الغرم -بالمقاييس البشرية المحدودة- إنما يصنعونه ابتغاء مرضاة الله، وطمعا في الجزاء في الآخرة.
ولكن غير المسلمين لا يؤمنون بذلك بطبيعة الحال، فلا نناقشهم بمنطق الإيمان الذي لا يلزمهم، بل نفترض -جدلا- أن كل النظم ذات حق متساو في الوجود وفي الانتشار في الأرض.. فلننظر في الواقع التاريخي نظرة "علمية" "موضوعية" "مجردة". أي النظم مارس حقه في الوجود وي الانتشار في الأرض بروح إنسانية حقيقية، وأيها مارس الوجود والانتشار بسلوك خال من القيم الإنسانية هابط إلى الحضيض؟!
فمن كان في شك فلينظر إلى الواقع المعاصر وما يتم فيه من ألوان من البربرية الوحشية لا تخطر على البال، وألوان من نقض المواثيق لا تخطر على البال، وألوان من العبث بكرامات الشعوب والاستخفاف "بحقوق الإنسان" لا تخطر على البال.
وذلك رغم كل الشعارات المرفوعة، والقيم المسطرة في ديباجات الدساتير والمعاهدات والمواثيق!
أما الإسلام فلا يداور ولا يناور، ولا يرفع الشعارات البراقة بلا رصيد، إنما هو رغم الصراحة الحاسمة التي يعالج بها كل أمر، هو الذي يطبق الروح الإنسانية الحقيقية والتسامح الحقيقي.. ولا عجب في ذلك، فإنما هو المنهج الرباني الحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وهو الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه.