الإلحاد -بمعنى إنكار وجود الله، والقول بأن الكون وجد بلا خالق أو أن المادة أزلية أبدية، وهي الخالق والمخلوق في ذات الوقت- بدعة جديدة في الضلالة فيما أحسب، لم توجد من قبل في جاهليات التاريخ السابقة، ومن المؤكد على أي حال أنها لم توجد بهذه الصورة وبهذا الاتساع الذي تمارسه الجاهلية المعاصرة، في أي فترة سابقة من فترات التاريخ.
وبعض الناس يشير إلى الآية الكريمة: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} 1 ويستدلون منها على أنه وجد في الجاهلية العربية "وبالتالي في غيرها" من ينكر وجود الله، وأن هؤلاء الدهريين كما أطلق عليهم هم صنو القائلين بالطبيعة المنكرين لوجود الله.
والآية -فيما أرى- لا تعطي هذه الدلالة بصورة قاطعة، فإنها تقطع فقط بأن القوم المشار إليهم ينكرون البعث، ولكنها لا تقطع بأنهم ينكرون وجود الله.
وما لم يثبت من مصدر يقيني2 أنه وجد في العرب أو في غيرهم من الأمم من قبل من ينكر وجود الله فأغلب الظن عندي أن هؤلاء القوم المشار إليهم في الآية هم الذين يؤمنون بوجود الله وبأنه هو الخالق المدبر ثم ينكرون قدرته سبحانه وتعالى على بعث الموتى بعد أن يصيروا ترابا وعظما: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 3 {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} 4 ومع إقرارهم بذلك كله فقد كانوا ينكرون البعث إنكارا شديدا ويعجبون ممن