وخلال خمسين عاما من مؤتمر هرتزل قامت الدولة اليهودية سنة 1947م1 ولكن الأمر كان محتاجا إلى حرب "عظمى" ثانية!
وسواء كانت الحرب الثانية "طبيعية" نتيجة القهر العنيف الذي وقع على القومية الألمانية من القومية البريطانية والقومية الفرنسية، ونزوع القومية الأولى للانتقام لنفسها من القوميتين الأخريين -كما نعتقد نحن- أو كانت تدبيرا خالصا لليهود- كما يعتقد "وليم كار" في كتاب "أحجار على رقعة الشطرنج"2 فقد استغلها اليهود استغلالا واسعا لصالحهم، لاستدرار عطف العالم كله عليهم -بوصفهم من ضحايا النازية- ليوافق عن طيب خاطر على سلب العرب جزءا من وطنهم لإقامة الدولة اليهودية فيه. وقد سبقت الإشارة إلى الكاتبة الألمانية التي تقول في كتابها إن اليهود هم الذين دبروا عملية تعذيب النازي لهم ليتخذوها مادة دعاية لهم على أنهم المظلمون المضطهدون المشردون في الأرض، الذين يبحثون عن مأوى يقيهم من التشريد والظلم والطغيان، وأن حجم التعذيب -الذي دبروا له تدبيرا- كان أضأل بكثير مما قيل في الدعاية اليهودية العالمية التي ظلت طيلة سنوات الحرب تجلجل في كل أرجاء الأرض لتصل إلى الهدف المطلوب.
وأيا كان الأمر فقد تم لليهود ما أرادوا بمناصرة الصليبية العالمية لهم، وبغفلة المسلمين.
وقد كان التدبير اليهودي الصليبي ما بين الحربين الأولى والثانية محكما في الحقيقة.
فقد قسم العالم العربي إلى دويلات ضعيفة مسلوبة القوة لا حول لها ولا طول. فالقوة السياسية والعسكرية ذهبت بذهاب دولة الخلافة وصار حكام تلك الدويلات يعتمدون اعتمادا كاملا على بريطانيا وفرنسا -صديقتي اليهود- وصارت جيوشها جيوش استعراض وزينة لا جيوش قتال حقيقي، تعتمد في سلاحها وذخيرتها اعتمادا كليا على بريطانيا وفرنسا، واقتصادياتها غاية في التخلف، أما شباب تلك الشعوب -وهو قوة خطرة إذا وجد التوجيه