الذين ينتظرون الساعة "العظمى" التي يقضون فيها على بقايا الإسلام.
وما كان نصارى لبنان وسوريا في تلك الفترة يجرءون أن يخرجوا على الحكم الإسلامي علانية وبالاسم الصريح للخروج، فقد كانوا أقلية محوطة بأكثرية مسلمة، تدين بالولاء القلبي والسياسي لدولة الخلافة. ولا تتصور لنفسها حكومة غير الحكومة الإسلامية، لذلك فلم يكن في وسع أولئك النصارى أن يقولوا: لا نريد حكم الإسلام علينا ولا نريد حكم الخلافة الإسلامية! ولذلك كان نشاطهم سريا من جهة، وباسم غير اسم الخروج على الحكم الإسلامي من جهة أخرى..كان نشاطهم يقوم باسم العروبة والقومية العربية، وهو شعار يمكن أن يلتبس فيه الأمر على المسلمين العرب، ولا يروا -لغفلتهم- أنه موجه ضد الإسلام.. وضدهم هم!
كانت دعوى القومية الطورانية تحز في نفوس العرب المسلمين فينفخ الشياطين في الحزازة لتشتعل، وكان يقال لأولئك العرب المسلمين أنتم أولى بالخلافة من أولئك الطورانيين! فلماذا تسكتون على الظلم؟ لماذا لا تثورون وتستقلوا عن الأتراك؟
وكان عبد الحميد يقظا للعبة كلها1 ولكن أحوال دولة الخلافة يومئذ وأحوال المسلمين جميعا في العالم الإسلامي، كانت أضعف من أن تصمد للكيد. فمضى الكيد في سبيله حتى بلغ غايته.
ولسنا هنا نؤرخ لتلك الفترة2 إنما نحن نتحدث عن القوميات والوطنيات، ودورها في اللعبة التي أريد بها القضاء على الإسلام، وإنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين.
كان عبد الحميد يطارد تلك الجماعات السرية التي تنادي بالعروبة والقومية العربية كما يضيق على النشاط السري لحزب الاتحاد والترقي، لإدراكه المقصود من ورائهما، وفيتخذ ذلك ذريعة لمزيد من الكيد ضده ويتهم بالدكتاتورية والطغيان في داخل تركيا، وباضطهاد الأقليات خارجها! وتصنع من هذه وتلك مادة للدعاية ضده ونشر البغض والكراهية له، تمهيدا لما يخطط من عزله، عقابا له على عدم موافقته على إنشاء الدولة اليهودية!
وجرت الأمور في مجراها المقدر في علم الله، ولكن بسبب من غفلة المسلمين