يقول شاتلييه في مقدمة كتاب "الغارة على العالم الإسلامي" "تعريب محب الدين الخطيب":
"ولا شك في أن إرساليات التبشير من بروتستانتية وكاثوليكية تعجز عن أن تزحزح العقيدة الإسلامية من نفوس منتحليها ولا يتم ذلك إلا ببث الأفكار التي تتسرب مع اللغات الأوروبية، فبنشرها اللغات الإنجليزية والألمانية والهولندية والفرنسية يحتك الإسلام بصحف أوروبا، وتتمهد السبيل لتقدم إسلامي مادي، وتقضي إرساليات التبشير لبانتها من هدم الفكرة الدينية الإسلامية التي لم تحفظ كيانها وقوتها إلا بعزلتها وانفرادها".
وقد كانت دعاوى القومية والوطنية المصدرة عن عمد إلى العالم الإسلامي، من بين وسائل الغزو الفكري الذي استخدمه الصليبيون المحدثون في "غزو العالم الإسلامي" كما سمى "شاتلييه" كتابه السالف الذكر1.
والهدف من ذلك واضح ولا شك.. فطالما كان المسلمون "مسلمين" فسيصعب على الغزاة ابتلاعهم مهما كانوا عليه من الضعف والتخلف، ذلك أن العقيدة الإسلامية عقيدة جهاد، وقد ذاق الفرنسيون في الشمال الإفريقي وذاق الإنجليز في الهند وغيرها من أقطار إفريقيا وآسيا من عقيدة الجهاد هذه ما لا يزال عالقا بنفوسهم برغم كل الضعف والتخلف الذي كان عليه المسلمون. فاقتلاع هذه العقيدة واستبدال غيرها بها أمر ذو أهمية بالغة, سواء من وجهة النظر الصليبية أو من وجهة النظر الاستعمارية البحتة، فالمسلمون لا يقبلون الاستعمار ولا يرضخون له طالما كانوا "مسلمين" فإذا اجتمعت وجهة النظر الصليبية ووجهة النظر الاستعمارية تجاه الإسلام -كما هو واقع الأمر-كانت الرغبة في اقتلاع هذه العقيدة آكد، والعمل على استبدال غيرها بها أعنف وأشد.
وبالفعل بذرت بذور الوطنية أولا في العالم الإسلامي، ثم جاء دور القومية بعد ذلك "لظروف سنبينها بعد قليل" فحققت أكثر من هدف في وقت واحد..
كان الهدف الأول هو تحويل حركات الجهاد الإسلامي ضد الاستعمار الصليبي إلى حركات وطنية، كما فعل سعد زغلول في مصر وغيره من الزعماء "الوطنيين" على اتساع العالم الإسلامي، والحركة الوطنية تفترق عن حركة