وتلك هي التجمعات التي قامت في العالم على أساس قومي.. وإن تسترت أحيانا وراء مختلف العناوين!

إلى هنا كنا نتحدث عن القوميات والوطنيات في أوروبا، كيف نشأت وكيف تطورت خلال التاريخ الحديث والمعاصر، وما كان من آثارها الشريرة في حياة العالم كله، حين صارت "المصالح القومية" هي الأصل المعترف به في حياة الناس، على حساب القيم والمبادئ وكل معنى من معاني "الإنسانية" عرفته البشرية في يوم من الأيام.

ولكن هناك جانبا من الموضوع ما زال في حاجة إلى بيان.. ذلك هو "تصدير" دعاوى القومية والوطنية إلى الشرق الإسلامي!

ولن نتحدث هنا عن "العدوى" التي جاءت إلى العالم الإسلامي من أوروبا حين ضعف المسلمون وتخلوا عن مقومات حياتهم الأصلية، وانبهروا بما عند الغرب، وتابعوه في انحرافاته ظنا منهم أن هذا هو الطريق الذي يخلصهم من ضعفهم وتخلفهم.. فذلك مبحث آخر نعالجه في غير هذا الكتاب1 ولكن نتحدث عن التصدير المتعمد لهذه التيارات من أوروبا إلى العالم الإسلامي.

حين وقع لويس التاسع في الأسر في الحروب الصليبية الأولى وسجن في سجن المنصورة أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب. جعل يتفكر في سجنه ويتدبر.. فلما فك أسره وعاد إلى قومه حدثهم بما هداه إليه فكره، فقال لهم: إن التغلب على المسلمين بالسلاح وحده أمر غير ممكن.. وإن على أوروبا إذا أرادت التغلب على المسلمين أن تحاربهم من داخل نفوسهم، وأن تقتلع العقيدة الإسلامية من قلوبهم.. فهذا هو الطريق!

ووعى الصليبيون المحدثون نصيحة الصليبي القديم حين بدءوا جولتهم الصليبية الثانية ضد العالم الإسلامي. فجاءوا -لا بالسلاح وحده كما جاءوا في المرة الأولى- ولكن بما هو أخطر منه كثيرا وأشد فاعلية، ذلك هو "الغزو الفكري" الذي يهدف إلى اقتلاع العقيدة من قلوب المسلمين، وتحويلهم عن صراط الله المستقيم إلى سبل الشيطان:

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015