وأيا ما كان الأمر فقد ارتبطت القوميات في أوروبا بالاستعمار بكل سفالاته، وكل بشاعاته، ونشبت الحروب بين القوميات المختلفة أبشع ما تكون. وصارت نهاية الأمر حروبا عالمية، تشترك فيها كل القوميات، ويصلاها العالم كله بذنب وبغير ذنب.
في الحرب الكبرى الأولى التي استمرت من 1914-1918م قتل عشرة مليون شاب، غير الذين شوهوا أو أصيبوا إصابات تقعدهم عن العمل، واستخدمت الغازات السامة والقنابل المحرقة وغيرها من الوسائل الإجرامية، التي لم تجد أوروبا في ضميرها حرجا من استخدامها؛ لأن الغاية تبرر الوسيلة، ولأن المصالح القومية مقدمة على كل اعتبار!
صحيح أنه كان هناك تكتل بين مجموعة من القوميات سمت نفسها "الحلفاء" لأنها -في لحظة من اللحظات- وجدت أن مصالحها القومية -رغم اختلافها فيما بينها وتنافسها- تقتضي التجمع لتحقيق هدف مشترك.. وكان الهدف في الحرب الأولى مزدوجا: القضاء على الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية -لأمر يراد1- والقضاء على القومية الألمانية التي تطالب بأن يكون لها مستعمرات كما لبقية القوميات مستعمرات ... !
وربما يظن الإنسان لأول وهلة أن أوروبا قد فطنت إلى حماقة التجمع القومي وما يؤدي إليه من فساد في الأرض وتقطيع للروابط الإنسانية فأنشأت تجمعا جديدا على أساس المبادئ لا على أساس القوميات.. أو هكذا قالوا هم في دعاياتهم! ولكن الحقيقة أن التجمع الجديد كان هو أيضا تجمع مصالح يتستر وراء المبادئ, ويريد لمجموعة من الشعوب، أو مجموعة من القوميات على الأصح، أن يكون لها السيطرة على العالم، وحدها من دون العالمين.. لأمر يراد!
وتم -على أي حال- لهذا التجمع ما أريد له من السيطرة في الأرض ما يقرب من عشرين عاما، حتى قامت الحرب العظمى الثانية، التي استمرت من عام 1939 إلى عام 1945م، وقتل فيها أربعون مليونا من الشباب، غير المدن التي دمرت، والمدنيين الذين قتلوا في الغارات الجوية، وغير قنبلتي هيروشيما ونجازاكي الذريتين، اللتين قضتا على الوجود الحي كله من نبات