المصادر الإسلامية والعربية على الأخص، كانت تعزى في الأكثر إلى الاتصال المادي بين الشرق والغرب، لقد استفادت أوروبا أكثر مما استفاد العالم الإسلامي، ولكنها لم تعترف بهذا الجميل، وذلك بأن تنقص من بغضائها للإسلام، بل كان الأمر على العكس, فإن تلك البغضاء قد نمت مع تقدم الزمن، ثم استحالت عادة. ولقد كانت هذه البغضاء تغمر الشعور الشعبي كلما ذكرت كلمة "مسلم" ولقد دخلت الأمثال السائرة عندهم حتى نزلة في قلب كل أوروبي, رجلا كان أم امرأة. وأغرب من هذا كله أنها ظلت حية بعد جميع أدوار التبدل الثقافي، ثم جاء عهد الإصلاح الديني حينما انقسمت أوروبا شيعا، ووقفت كل شيعة مدججة بسلاحها في وجه كل شيعة أخرى، ولكن العداء للإسلام كان عاما فيها كلها، بعدئذ جاء زمن أخذ الشعور الديني فيه يخبو ولكن العداء للإسلام استمر".

"ولقد يتساءل بعضهم فيقول: كيف يتفق أن نفورا قديما مثل هذا -وقد كان دينيا في أساسه وممكنا في زمانه بسبب السيطرة الروحية للكنيسة النصرانية- يستمر في أوروبا في زمن ليس الشعور الديني فيه إلا قضية من قضايا الماضي"!

"ليست مثل هذه المعضلات موضع استغراب أبدا، فإنه من المشهور في علم النفس أن الإنسان قد يفقد جميع الاعتقادات الدينية التي تلقنها أثناء طفولته، بينما تظل بعض الخرافات الخاصة -والتي كانت من قبل تدور حول هذ الاعتقادات المهجورة- في قوتها تتحدى كل تعليل عقلي في جميع أدوار ذلك الإنسان، وهذه حال الأوروبيين مع الإسلامي، فعلى الرغم من أن الشعور الديني الذي كان السبب في النفور من الإسلام قد أخلى مكانه في هذه الأثناء لاستشراف على الحياة أكثر مادية، فإن النفور القديم نفسه قد بقي عنصرا من الوعي الباطني في عقول الأوروبيين، وأما درجة هذا النفور فإنها تختلف بلا شك بين شخص وآخر، ولكن وجوده لا ريب فيه. إن روح الحروب الصليبية -في شكل مصغر على كل حال- ما زال يتسكع فوق أوروبا، ولا تزال مدنيتها تقف من العالم الإسلامي موقفا يحمل آثارا واضحة من ذلك الشبح المستميت في القتال"1.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015