بعد أن فقدت منبعها الأصلي، وصارت شيئا قائما بذاته، لا علاقة له بتدين أصحابه، إنما هي كراهية وحقد ومقت للإسلام والمسلمين، لا لحساب النصرانية كدين، ولكن لحساب الأوروبيين بوصفهم أعداء للمسلمين.

يقول ليوبلدفايس "محمد أسد" في كتابه "الإسلام على مفترق الطرق": "إن الاصطدام العنيف الأول بين أوروبا المتحدة من جانب وبين الإسلام من جانب آخر -أي: الحروب الصليبية- يتفق مع بزوغ فجر المدنية الأوروبية، في ذلك الحين أخذت هذه المدنية -وكانت لا تزال على اتصال بالكنيسة- تشق سبيلها بعد تلك القرون المظلمة التي تبعت انحلال رومية، حينذاك بدأت آداب أوروبا ربيعا منورًا جديدا. وكانت الفنون الجميلة قد بدأت بالاستيقاظ ببطء من سبات خلفته هجرات الغزو التي قام بها القوط والهون والآفاريون. ولقد استطاعت أوروبا أن تتملص من تلك الأحوال الخشنة في أوائل القرون الوسطى، ثم اكتسبت وعيا ثقافيا جديدا. وعن طريق ذلك الوعي كسبت أيضا حسا مرهفا، ولما كانت أوروبا في وسط هذا المأزق الحرج حملتها الحروب الصليبية على ذلك اللقاء العدائي بالعالم الإسلامي.. إن الحروب الصليبية هي التي عينت في المقام الأول، والمقام الأهم موقف أوروبا من الإسلام لبضعة قرون تتلو، ولقد كانت الحروب الصليبية في ذلك حاسمة؛ لأنها حدثت في أثناء طفولة أوروبا، في العهد الذي كانت فيه الخصائص الثقافية الخاصة قد أخذت تعرض نفسها1 وكانت لا تزال في طور تشكلها، والشعوب كالأفراد، إذا اعتبرنا أن المؤثرات العنيفة التي تحدث في أوائل الطفولة تظل مستمرة ظاهرا أو باطنا مدى الحياة التالية، وتظل تلك المؤثرات محفورة حفرا عميقا، حتى إنه لا يمكن للتجارب العقلية في الدور المتأخر من الحياة، والمتسم بالتفكير أكثر من اتسامه بالعاطفة أن تمحوها إلا بصعوبة، ثم يندر أن تزول آثارها تماما. وهكذا كان شأن الحروب الصليبية، فإنها أحدثت أثرا من أعمق الآثار وأبقاها في نفسية الشعب الأوروبي، وإن الحمية الجاهلية العامة التي أثارتها تلك الحروب في زمنها لا يمكن أن تقارن بشيء خبرته أوروبا من قبل ولا اتفق لها من بعد".

"ومع هذا كله فإن أوروبا قد استفادت كثيرا من هذا النزاع، إن "النهضة" أو إحياء الفنون والعلوم الأوروبية باستمدادها الواسع من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015