المقدس كما اتجهت الحروب الصليبية الأولى الفاشلة، فحاولت الدوران حول العالم الإسلامي من جهة الغرب، وكانت البرتغال أول دولة استجابت للتحريض البابوي وسارعت إلى تنفيذه.
في عام 1497 قام فاسكوداجاما برحلته الشهيرة التي كشف فيها للأوروبيين طريق رأس الرجاء الصالح1 وبمعاونة البحار العربي المسلم "ابن ماجد" وعلى هدي الخرائط الإسلامية للشواطئ الإفريقية والآسيوية2, دار فاسكوداجاما حول إفريقيا متجها إلى الشرق حتى وصل إلى جزر الهند الشرقية, وهناك قال قولته الصليبية المشهورة، التي تقطع بأن رحلته لم تكن "علمية" كما يدعى لها، ولم تكن من أجل الكشف الجغرافي الخالص كما قيل عنها، فقد قال عند وصوله إلى تلك الجزر "الآن طوقنا عنق الإسلام, ولم يبق إلى جذب الحبل ليختنق فيموت"!
وبعد ذلك تتابعت "الكشوف" وتتابعت "الرحلات العلمية" التي مهدت للاستعمار الصليبي للعالم الإسلامي.
ولما برزت القوميات في أوروبا تلبست بالروح الصليبية تجاه المسلمين، فأصبح التنافس يتمثل -من بين ما يتمثل- في التنافس على استعمار العالم الإسلامي ومحاولة تنصير أهله عن طريق الحملات التبشيرية التي صاحبت الاستعمار الصليبي دائما، ممهدة له أحيانا، ومستندة إلى وجوده أحيانا، ولكنها مصاحبة له على الداوم!
وحتى حين أصبحت تلك القوميات "علمانية" تماما لم يؤثر ذلك في صليبية الحملات الاستعمارية، ولا قللت مقدار ذرة من النشاط التبشيري المصاحب للاستعمار الصليبي.
وقد يبدو ذلك متناقضا لأول وهلة.. فكيف تهمل أوروبا "الدين" في حياتها الخاصة، ثم تتذكره في الهجوم على العالم الإسلامي؟ الواقع أن الذي تذكرته أوروبا -ولا تزال إلى هذه اللحظة تتذكره- تجاه العالم الإسلامي ليس هو "الروح الدينية" فقد انسلخت أوروبا من دينها تماما.. إنما هو "الروح الصليبية" التي كانت ذات يوم متلبسة بالدين. ولكنها ظلت على ضراوتها حتى