للأصلح"1 ولما كانت كل قومية تزعم لنفسها أنها هي الأجدر بالبقاء، وتريد أن تثبت ذلك بالفعل، فلنا أن نتصور كيف يعنف الصراع بين القوميات المختلفة ويصل إلى حد الوحشية! وتموت في دوامة الصراع الوحشي كل المعاني "الإنسانية" ويسمى هذا "تقدما" حسب التفسير الدارويني للحياة، والتفسير المادي للتاريخ!
ومع الثورة الصناعية الرأسمالية المتلبسة في ذات الوقت بالقومية, اتسعت رقعة "الاستعمار".
لقد كان الاستعمار الأوروبي في منشئه دفعة صليبية بحتة.
فحين سقطت الأندلس في يد المسيحيين أصدر البابا قرارا بتقسيم أرض "الكفار" -أي: المسلمين- إلى دولتين هما أسبانيا والبرتغال2، وقامت محاكم التفتيش بمجهود وحشي ضخم للقضاء على بقايا الإسلام في الأندلس، فاستخدمت أبشع وسائل التعذيب التي عرفها التاريخ لمطاردة الإسلام في كل شبر من أرض ما صار يسمى أسبانيا والبرتغال، حتى صارت الهينمة في جوف الليل مبررا لدخول رجال التفتيش أي بيت تسمع فيه؛ لأنها مظنة قراءة القرآن سرا في هدأة الليل، وصار وجود حمام في أي بيت يدخله رجال التفتيش مبررا لصب أفظع ألوان التعذيب على أهله؛ لأن الحمامات داخل البيوت كانت في ذلك الوقت خصيصة من خصائص المسلمين! ومع ذلك كله فقد استغرق الأمر مائتي عام حتى أفلح التعذيب الوحشي في تنصير الأندلس كلها ومحو كل أثر للإسلام فيها.
ولما تم "رسميا" إزالة الحكم الإسلامي -أي: منذ 1492م- شجع البابا النصارى على متابعة المسلمين خارج الأندلس، في حرب صليبية جديدة، بغية القضاء على الإسلام في كل أرض، ولكن وجود الدولة العثمانية القوية في الشرق, التي أزالت الدولة البيزنطية باستيلائها على القسطنطينية عام 1453م، لم يكن يتيح للحرب الصليبية الجديدة أن تتجه إلى الشرق نحو بيت