{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} 1.
عندئذ تحركت نفوس الذين يرغبون في الإصلاح لمحاولة إصلاح مفاسد الكنيسة المتراكمة خلال القرون، وخلع السلطان الطاغي الذي فرضه البابا ورجاله على الناس باسم الدين. ولكن محاولاتهم كانت كالرقعة في الثوب الخلق بسبب رفضهم الدخول في الإسلام، وسعيهم إلى الإصلاح بغير عدته الحقيقية التي تؤدي إليه.. واستغل الملوك هذه الحركات لحسابهم الخاص كما أسلفنا، لا يريدون الإصلاح الديني الحقيقي، ولا يريدون للناس أن يستقيموا على دين صحيح فيخرجوا على طاعتهم! إنما رأوا فيها أداة تساعدهم على الانسلاخ من سلطان البابا فاستغلوها في هذه الحدود.
ولم يكن الملوك وحدهم وراء اللعبة، وإنما كان وراءها كذلك اليهود، المتربصون لأية فرصة تسنح لهم للانتقام من النصارى الذين اضطهدوهم وأذولهم على أساس أنهم تسببوا في صلب السيد المسيح2، فلما قامت حركات تؤذن بتفريق كلمة النصارى وتشتيت سلطان الكنيسة، كان من صالحهم ولا شك أن يحتضنوها ويوجهوها خلسة أو علانية لتوسيع الشقة بينها وبين الكنيسة الأصلية، وكل فرقة -سواء قامت باسم الإصلاح أو بهدف الإفساد- هي في النهاية في صالح اليهود ما دامت لا تؤدي إلى إصلاح حقيقي! وإن صلة اليهود بالبروتستانتية بالذات لأمر معلوم لكل من يدرس تاريخ تلك الحركة، وإن أنكر تلك الصلة هؤلاء وهؤلاء3.
هكذا كان مولد القوميات في أوروبا ...
حركات إصلاحية مبتورة غير ناضجة، استغلها ذوو الأهواء لحسابهم الخاص، فأفسدوها وحولوها إلى اتجاه شرير..
إن القومية في ذاتها نزعة غير إنسانية، لا يتوقع أن ينشأ منها إلا الشر.
إنها بادئ ذي بدء تحد عالم "الإنسان" فبدلا من أن يكون أفقه العالم