يصاحبه في ذات الفترة تقريبا تمرد من نوع آخر وفي جهة أخرى، هو أشد خطرا على الوحدة من تمرد الملوك، ذلك هو تمرد رجال الدين، المعروف باسم "حركة الإصلاح الديني".
لقد كان تمرد الملوك نزاعا سياسيا على السلطة الزمنية. البابا يدعي لنفسه السلطة الروحية والسلطة الزمنية كليهما، والملوك يطالبون بالسلطة الزمنية أن تكون في أيديهم، على أن تبقى السلطة الروحية وحدها في يد البابا.. وإلى هنا كان يمكن أن يستقل الملوك بالسلطة الزمنية ولكن تظل الوحدة الزمنية قائمة، ويظل السلطان الروحي للبابا قائما, فتظل الدعامتان اللتان كونتا الوحدة الأوروبية قائمتين.
ولكن حركة الإصلاح الديني كانت موجهة إلى صميم العقيدة الجامعة, وهي العقيدة الكاثوليكية التي لم تكن -حتى ذلك الحين- موضع نزاع في داخل أوروبا.
كان من نتيجة الطغيان الروحي للبابا ورجال دينه أن رغبت "كنائس" مختلفة في أوروبا أن تنفصل عن كنيسة روما وتستقل عنها، متخذة في الغالب صورة خلاف مذهبي مع الكاثوليكية التي كانت تخضع لها كل الكنائس من قبل, فانفصلت كنيسة بريطانيا وكنيسة ألمانيا وتبعتها كنائس أخرى, وحرص الملوك على السيطرة على تلك الحركات لا رغبة في الإصلاح الديني الذي كانت تنشق تلك الكنائس عن كنيسة روما باسمه، ولا رغبة في تنمية روح التدين الحقيقية عند شعوبهم، فليس شيء من ذلك في صالح السيطرة السياسية المطلقة التي ادعوها لأنفسهم حين طالبوا بفصل السلطة الزمنية عن السلطة الروحية، ولكن لأن كل حركة تمرد على الكنيسة البابوية من أي نوع هي كسب لهم في معركتهم ضدها؛ لأنها تضعفها وتضعف سلطانها، فيسهل عليهم التخلص من نفوذها.
يقول ولز في كتاب "معالم تاريخ الإنسانية" "ج3 مقتطفات من ص989-991 من الترجمة العربية".
"كانت الكنيسة تفقد سيطرتها على ضمائر الأمراء وذوي اليسار والاقتدار من الناس، وكذلك شرعت تفقد إيمان عامة الناس بها وثقتهم فيها، وكان من نتيجة انحطاط سلطانها الروحي على الطبقة الأولى أن جعلتهم ينكرون تدخلها في شئونهم، وقيودها الخلقية عليهم، ومدعياتها بالسيادة العليا فوقهم،