من هذا الدين -وإن يكن القطاع الأعظم- تغايره بقية القطاعات في أصول الاعتقاد1.
فإذا اجتمع إلى هذين السببين أن اللاتينية -لغة الكتاب المقدس2- لم تكن قط لغة الكلام في الإمبراطورية الرومانية، وإنما لغة المثقفين ورجال الدين فقط، إلى جانب كونها اللغة "الرسمية" للدولة، وإنما الشعوب داخل الإمبراطورية تتكلم لغات أخرى يختلف بعضها عن بعض اختلافا رئيسيا.
إذا اجتمعت هذه الأسباب كلها وضح لنا أن التجمع الذي تم في ظل الإمبراطورية الرومانية المسيحية لم يكن من شأنه أن يرتقي إلى تكوين "أمة" واحدة على النسق الذي تم به الأمر في ظل الإسلام، الذي لم تنفصل فيه الشريعة عن العقيدة، والذي لم تحدث فيه خلافات عقيدية تمزق وحدته، والذي كانت لغته -لفترة طويلة من الوقت- لغة واحدة هي لغة القرآن.
ومع ذلك كله فقد كان لسلطان العقيدة في نفوس المسيحيين الأوروبيين وسلطان الكنيسة البابوية من جهة أخرى، تأثير ملموس لا شك فيه، أوجد لونا من التجمع والوحدة رغم كل أسباب الفرقة والخلاف.
ولكن حماقات الكنيسة التي أشرنا إليها في التمهيد الأول ما لبثت أن عملت على تقويض ذلك التجمع من أكثر من باب ...
لقد كان طغيانها في كل جانب مثيرا لردود فعل مختلفة، تلتقي كلها عند الرغبة في تحطيم نفوذ الكنيسة والتفلت منه، فضلا عما حدث فيما بعد من النفور من الدين ذاته والانسلاخ منه.
وإذا كان الدين ونفوذ الكنيسة هما الرباط الذي أوجد ذلك القدر من التجمع في أوروبا، فلنا أن نتوقع أن يكون أثر ردود الفعل المشار إليها هو انفراط عقد هذا التجمع وفصم روابطه.. وذلك الذي كان!
كان تمرد الملوك على طغيان الكنيسة السياسي أول بادرة من بوادر التمزق في الوحدة الأوروبية. ولكن هذا التمرد وحده كان يمكن أن يظل محدود الأثر لو لم