إمبراطورية ولكن لينشروا العقيدة، لم تكن توسعة الأرض قط هي التي تهمهم أو تدفعهم إلى الخروج من أرضهم, ولم يكن ضم موارد جديدة، واستخدامها -أو تسخيرها- للدولة الأم لتغنى وتكتنز، خاطرا يدفع قائدا من القواد أو جنديا من الجنود، إنما كان الدافع الأصيل هو إزالة "الجاهلية" ليحل محلها "الإسلام" دون إكراه للناس على عقيدة الإسلام. إزالة الجاهلية ممثلة

في دول وجيوش ونظم لا تؤمن بالله ولا تطبق المنهج الرباني، ليحل محلها النظام الإسلامي ممثلا في تطبيق شريعة الله، وتطبيق العدل الرباني والحكمة الربانية، مع ترك الناس أحرارا في عقائدهم بإذن الدولة الإسلامية بل بحراستها وحمايتها!

إنها تجربة فريدة في التاريخ، لم تتكرر، وليس من شأنها أن تتكرر مع أي نظام آخر، إلا أن يكون نظام قائما على العقيدة الصحيحة في الله، مطبقا لشريعة الله.

ومهما يكن من أمر فإن أوروبا لم تعرف هذا اللون من التجمع في تاريخها كله، حتى بعد أن اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية -أو ادعى ذلك- وفرضها على الإمبراطورية كلها عام 325م.

وقد كان المفروض حين تصبح الإمبراطورية مسيحية أن يجمعها ذلك اللون من التجمع الذي وحد الأمة الإسلامية فيما بعد، وصهر أجناسها وألوانها ولغاتها في كيان واحد متحد. ليس فيه أتباع ومتبوعون، بل فيه "مسلمون" على قدم المساواة.

ولا شك أن دخول الإمبراطورية في المسيحية قد أنشأ -لفترة من الوقت- لونا من التجمع الشعوري.. وقد كان هذا هو هدف قسطنطين الحقيقي من دخوله المسيحية، فلم يكن همه "العقيدة" إنما كان همه توحيد الإمبراطورية التي كانت توشك على التمزق والافتراق، ولكن هذا التجمع لم يرتق قط إلى الصورة التي مارستها الأمة الإسلامية لأكثر من سبب واحد:

أحد الأسباب -أو لعله السبب الرئيسي- أن الدين لم يصل إلى الإمبراطورية في صورته الكاملة، إنما وصل إليها -كما بينا في التمهيد الأول من هذا الكتاب- عقيدة مفصولة عن الشريعة، وقد كان لتلك العقيدة سلطانها على القلوب ولا ريب، ولكن لا يستوي الدينان: دين متكامل يحكم

مشاعر القلب وواقع الحياة، ودين ممسوخ، يقبع في وجدانات الناس، وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015