خامسا: يوجه العقل إلى دراسة التاريخ:

{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} 1.

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ 2 وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} 3.

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} 4.

وواضح أن دراسة التاريخ المطلوبة هي للعبرة لا للتسلية وتزجية الفراغ! ولكن ينبغي أن نعرف موطن العبرة من دراسة التاريخ.

إنا السنن الربانية التي أشرنا إليها في الفقرة السابقة, والتي يجري قدر الله بمقتضاها في حياة البشرية. والتي قلنا إن العقل البشري مدعو إلى تدبرها والتفكر فيها من أجل إقامة المجتمع الصالح القائم على المنهج الرباني ... هذه السنن -بطبيعتها- نادرا ما تتحقق بتمامها في داخل عمر الفرد المحدود؛ لأن السنن الاجتماعية بطبيعتها تستغرق أجيالا متوالية حتى يتم التحول الاجتماعي سواء إلى الخير أو إلى الشر "فيما عدا القلة النادرة التي تقتضي حكمة الله فيها تحقيق سنة بكاملها في أمد قصير، تأييدا لنبي أو تمكينا لجماعة مؤمنة، كما حدث مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبناء هذه الأمة الشامخة في سنوات قصار".

وانظر مثلا إلى هذه السنة:

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} 5.

فالجزء الأول من هذه السنة يمثل الواقع الأوروبي في وقته الحاضر.. نسوا ما ذكروا به، وكفروا وجحدوا، ففتح الله عليهم أبواب كل شيء، من قوة سياسة وقوة عسكرية وقوة علمية وقوة تكنولوجية وقوة اقتصادية.. وكل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015