صيانة لطاقة العقل أن تتبدد فيما لا طائل وراءه، وإلا فلننظر في "الإنتاج البشري" كله فيما يتعلق بذات الله، في الفلسفة الإغريقية واللاهوت المسيحي وما يسمى بالفلسفة الإسلامية وعلم الكلام ... إلى أي شيء وصل؟! وإلى أي شيء كان قمينا أن يصل؟

لا شيء!

لأنه اقتحام بلا أداة.. أو بغير الأداة الصالحة للوصول.

كالمفتاح الذي يدور في القفل ويدور ... والقفل لا يفتح.. لأن المفتاح أضأل من أن يفتح القفل!

كما قلنا من قبل: ليس العيب في القفل ولا في المفتاح، ولكنه في إصرارنا نحن أن نفتح القفل بغير مفتاحه!

الروح هي أداة الوصول!

لا نعرف نحن كيف تصل.. ولكنها تصل! في لحظة الإشراق.. في لحظة التوهج.. تصل! وتحس بالوصول! وتنعم بالوصول! وليس معنى ذلك -كما أوضحنا من قبل- أن العقل ليس له دور في عملية الإيمان، كلا! إن له دوره المخصص له. لكن الإيمان بالله شيء، والإحاطة بكنه الذات الإلهية -وهو ما يحاوله العقل- شيء آخر لا يمكن أن نصل إليه.

والذي تصل إليه الروح ليس هو الإحاطة بكنه الذات الإلهية كذلك. إنما هو القرب الذي يتلقى النور ويفيض عليه النور، فيستغني عن "البحث" في الكنه، الذي يحاوله العقل ولا يصل إلى شيء منه! وهذه المشاعر يملكها كل إنسان في لحظات التوجه الصادق إلى الله، وإن كان الإنسان -بطبيعته- لا يثبت عليها كما تثبت الملائكة الأطهار.. ولا هو مطلوب منه أن يثبت عليها؛ لأن الله لا يكلف كل نفس إلا وسعها ...

شكا الصحابة رضوان الله عليهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهم حين يكونون معه يكونون في حال، وإذا خرجوا من عنده وانساحوا في الحياة تغيرت بهم الحال. فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما معناه إنهم لو ظلوا على حالتهم التي يكونون عليها وهم في صحبته لصافحتهم الملائكة!

ذلك هو الوصول الذي تقدر عليه الروح.. ولا يستطيع العقل أن يمارسه؛ لأنه ليس من شأنه.

وأما القدر فشأنه كذلك..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015