والشهوات، فهو خادم للضلال يسخر طاقته كلها في خدمته، ويجادل أشد الجدل لتبرير موقفه:
{وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} 1.
{وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} 2.
{لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} 3.
ومعرفة هذه الحقيقة عن العقل لا تنقص من قدره كأداة للتفكير، بل إن هناك ميادين من الفكر هي خالصة للعقل لا يشاركه فيها غيره من أدوات التلقي وأدوات تحصيل المعرفة، كما سيجيء بيانه، وإنما معرفة هذه الحقيقة تجعلنا نتحفظ فقط في تقديرنا للقيمة النهائية للعقل، بحيث لا نجعله هو المحكم في كل شيء, ولا المرجع الأخير لكل شيء! إنما ننزله منزلة الحق، فما كان فيه هو المرجع الوحيد أو المرجع النهائي وكلناه إليه كله، وما كان فيه قمينا أن يضل إذا ترك وحده جعلنا له الصحبة التي تمنع ضلاله، وما كان عاجزا عن الوصول فيه إلى شيء لم نقحمه فيه.. وهذا هو منهج الإسلام.
يمنح الإسلام العقل مجالا واسعا للعمل، هو أوسع مجال سليم للعقل منحه إياه نظام من النظم أو عقيدة من العقائد، وفي الوقت نفسه يمنعه من مجالات بعينها، ويحظر عليه التفكير فيها، أو ينكر عليه حق التفكير ...
ونبدأ بالحديث عن الأخيرة لأنها -في الجاهلية المعاصرة بصفة خاصة- مظنة الحجر على العقل بغير موجب!
يحظر الإسلام على العقل أمور ثلاثة: التفكير في ذات الله، والتفكير في القدر، والتشريع من دون الله.
"تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله" 4.
"وإذا ذكر القدر فأمسكوا" 5.
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} 6.
وأما الأولى والثانية فالحظر فيها ليس حجرا على "حرية الفكر" إنما هو