كل منافذ المعرفة غير العقل1, ثم إنهم -قط- لم يغلقوا كل منافذ العقل غير التجربة والحس.

لقد أدركوا، وصدقوا، وآمنوا أن الله {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} 2 ومن ثم لم يجعلوا المرجع الذي يرجعون إليه في إثبات وجود الله ووحدانيته وتفرده بصفاته التي يتصف بها هو التجربة الحسية! إلا من جانب واحد هو رؤية آثار قدرة الله في الكون، والاستدلال منها على كل ما تدل عليه من وجود الله ووحدانيته وتفرده، وهذا هو المنهج العلمي الصحيح الذي فاء إليه أخيرا نفر من العلماء في الجاهلية المعاصرة في القرن العشرين3!

ثم إن المسلمين لم تكن لديهم كنيسة تدفعهم -بتصرفاتها- إلى حماقة عدم تسمية الله باسمه الصحيح، ولا إضفاء صفات الله على إله آخر مزعوم اسمه الطبيعة، أو اسمه المادة، لمجرد الهروب من طغيان الكنيسة ... فإذا ذكر الله اشمأزت قلوبهم وإذا ذكر الإله المزعوم إذا هم يستبشرون! وإذ ظلوا يعرفون الله باسمه الصحيح، ويعبدونه -من ثم- العبادة الصحيحة، فإن السبل لم تختلط عليهم، ولم يجعلوا قضايا الوحي والرسالة واليوم الآخر قضايا تجريبية، إنما قضايا إيمانية يسلمون بها بعد أن تتأكد عقولهم -بكل وسائل الاستدلال- من وجود الله سبحانه وتعالى، وقدرته التي لا تحدها حدود، وتتأكد من صدق الرسول المرسل إليهم -صلى الله عليه وسلم، ومن أن ما يخبر به عن ربه وحي لا شك فيه.

ولم يتعارض في حسهم الإيمان بما تدركه الحواس مع الإيمان بما لا تدركه الحواس، أو الإيمان بالغيب، فهذا له قناة في الفطرة وذاك له قناة، كلتاهما تمد الإنسان بلون من المعرفة غير الذي تمده به الأخرى، ومن مجموعهما معا تتكون المعرفة اللازمة للإنسان.

لم يغلقوا على أنفسهم نافذة الغيب في سبيل تأكيد العالم المحسوس وتأكيد معرفتهم به ... كما لم يغلقوا على أنفسهم نافذة المحسوس في سبيل تأكيد إيمانهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015