{وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} 1.
وفهم المسلمون من هذه التوجيهات المتكررة أن الله يدعوهم إلى التأمل في هذا الكون من حولهم، ليتعرفوا على قدرة الله القادرة التي لا يعجزها شيء، وليتعرفوا كذلك على السنن الربانية التي أودعها في هذا الكون، والطاقات التي سخرها لهم فيه ليقوموا بعمارة الأرض، ويبتغوا من فضل الله.
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} 2.
{مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} 3.
ومن ثم انطلقوا "يدرسون" هذا الكون ويتعرفون على أسراره، فتقدم العلم على أيديهم تقدما ضخما، في الفيزياء والكيمياء والفلك والرياضيات والطب وغيرها من العلوم النظرية والتجريبية ... واكتشفوا -من بين ما اكتشفوا- أن هناك سببا لكل شيء يحدث في الكون المادي، ومن نور وظلام، وكسوف وخسوف، ورياح ومطر، وجدب وخصب وزيادة ونقص.. إلخ.. إلخ ...
ولكن اكتشاف "السبب الظاهر" لم يكن فتنة لهم كما كان بالنسبة لنيوتن ومن بعده من "العلماء"!
فلم يجعلوه بديلا من السبب الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى، ولم يستغنوا به عن الله، ولم يتصورا أن له حتمية تقيد مشيئة الله الطليقة بحيث يعجز سبحانه عن التصرف في الكون بما يشاء، كما توهم نيوتن ومن بعده.
نما عرفوا أن هذا "السبب الظاهر" هو "السنة الجارية" التي تجري شئون الكون المادي من خلالها، ومن ثم فهي ليست بديلا من الله سبحانه وتعالى، وهي جزء من مشيئته، ولا تعارض بين تفسير أي أمر من أمور هذا الكون بسببه الظاهر وتفسيره بأنه راجع إلى مشيئة الله، ما دام السبب الظاهر أو "السنة الجارية" من مشيئة الله، ومن ثم فلا تعارض بين ما سموه