وحكمة ذلك واضحة ... "فالدين" يذكر الإنسان دائما بالله لكي يظل قلبه معلقا بالله في جميع حالاته، فيحبه ويخشاه، ويتطلع إليه في كل أمر من أموره، وبهذا وحده تصلح نفس الإنسان وتستقيم ... ولأن الإنسان عرضة دائما أن ينسى فإن الدين الصحيح يلح في تذكيره حتى لا تدركه الغفلة التي ينشأ عنها كل شر في حياة البشر على الأرض.

ولكن هذا التركيز الشديد في الدين الصحيح على رد الأمور كلها إلى مشيئة الله، لم يمنع المسلمين من البحث عن "الأسباب الظاهرة" في الكون المادي وفي الحياة البشرية، بلا تعارض في حسهم بين هذا وذاك.

ذلك أن الدين الصحيح -وقد رد كل شيء بحق إلى مشيئة الله وقدره1 -نبه البشر إلى أن هناك سننا كونية تعمل إرادة الله من خلالها في الكون المادي, كما أن هناك سننا أخرى تعمل تلك الإرادة من خلالها في الحياة البشرية، ودعاهم إلى التعرف على هذه وتلك، الأولى ليقوموا بتعمير الأرض -وهو جزء من مهمة "الخلافة" التي خلق الإنسان من أجلها- والأخرى لتكون هذه الخلافة راشدة حين يتم تعمير الأرض بمقتضى المنهج الرباني.

لقد ظل القرآن يلفت نظر الناس إلى آيات الله في الكون وانتظامها ورتابتها ودقتها وانضباطها:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا، ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} 2.

{وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ، وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ، لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ، سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ، وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015