يقول برنتون كما سبق أن نقلنا من كلامه في كتاب "منشأ الفكر الحديث" "ص103 من الترجمة العربية - ترجمة عبد الرحمن مراد":
"فالمذهب العقلي يتجه نحو إزالة الله وما فوق الطبيعة من الكون.. فإن نمو المعرفة العلمية وازدياد الاستخدام البارع للأساليب العلمية يرتبط بشدة مع نمو الوضع العقلي نحو الكون ... ".
ويقول عن قانون السببية الذي كشفه نيوتن: "إن السببية تهدم كل ما بنته الخرافات والإلهامات والمعتقدات الخاطئة "يقصد المعتقدات الدينية" في هذا العالم" "ص151 من المرجع السابق".
ويقول: "الإله في عرف نيوتن أشبه بصانع الساعة ولكن صانع هذه الساعة الكونية ونعني بها الكون، لم يلبث أن شد على رباطها إلى الأبد، فبإمكانه أن يجعلها تعمل حتى الأبد".
"أما الرجال على هذه الأرض فقد صممهم الإله كأجزاء من آلته الضخمة هذه ليجروا عليها. وإنه ليبدو أن ليس ثمة دافع أو فائدة من الصلاة إلى الإله صانع هذه الساعة الضخمة الكونية، الذي لا يستطيع إذا ما أراد التدخل في عمله"!!
ولنا وقفة عند هذه النصوص..
إن الاتجاه الفكري النافر من الدين, المتجه إلى الإلحاد، لم يكن رد فعل لخطأ واحد من أخطاء الكنيسة وهو الحجر على العقل خوفا من مناقشة "المسلمات" المفروضة، إنما كان في الحقيقة رد فعل أو نتيجة لأخطاء متعددة في وقت واحد.. فالجهالة العلمية التي عانتها أوروبا عدة قرون في ظل السيطرة الكنسية جعلت للعلم -حين بدأت أوروبا تتعلم- فتنة ليست من طبيعته في الأحوال العادية وفي النفوس السوية، فضلا عن أن حرب الكنيسة للعلم والعلماء في عهد النهضة -باسم الدين- جعلت طريق البحث العلمي هو طريق معاداة الدين.
إن الدين والعلم كما بينا في فصل "العلمانية" ليسا ندين متنافرين متعاديين كل منهما يسعى للسيطرة على حساب الآخر ورغما عنه! فنزعة العبادة ونزعة المعرفة كلتاهما نزعة فطرية، والفطرة -في النفس السوية- لا يتنافر بعضها مع بعض، إنما تتعاون جوانبها المختلفة لبناء الشخصية السوية المتوازنة، وقد تختل الشخصية لزيادة أو نقص في أحد الجوانب