بالقياس إلى حدة المفروض، وبالقياس إلى الجوانب الأخرى في النفس، ولكنها لا تختل قط من اجتماع جوانب الفطرة كلها في النفس، فهذا هو الأمر الطبيعي الذي لا تستقيم النفس بدونه، بل العكس هو الصحيح، تختل النفس خللا مؤكدا حين يزاح جانب من جوانب الفطرة أو يضمر ليحل محله جانب آخر.
وفي العالم الإسلامي الذي استقت أوروبا العلم منه، كان هذا هو الأمر الواقع: كان الدين والعلم يعيشان معا متساندين متعاونين بلا تنازع ولا تنافر ولا خصام، بل كان العلم في حقيقة الأمر نابعا من العقيدة منبثقا عنها، يعمل في خدمتها، ومع ذلك كان له ذلك المجال الواسع كله الذي يعمل فيه، والحرية التي يمارسها في البحث وتحصيل النتائج وتدوينها، والثمار العلمية المفيدة التي تقوم عليها نهضة علمية زاهرة.
ولم يكن للعلم في نفوس المسلمين فتنة!
لا هو فتنهم عن الدين، ولا صار في حسهم إلها مكان الله!
لأنهم كانوا يتناولونه كما تتناوله الفطرة السوية، التي تأخذ حظها من العبادة كما تأخذ حظها من المعرفة العلمية, وتطلب هذه وتلك بلا تنافر بينهما ولا صدام!
وقد كان العالم الواحد - في كثير من الأحيان- عالما في الطب أو الفلك أو الرياضيات.. إلخ، وعالما بالعلوم الدينية في نفس الوقت، متبحرا في هذه وتلك، متوازنا في ذات الوقت، لا يصرفه الدين عن العلم ولا يصرفه العلم عن الدين.
وكان الحسن بن الهيثم -على سبيل المثال- الذي ظلت أوروبا تدرس نظرياته في علم الضوء "البصريات" إلى بداية القرن التاسع عشر لتفوقها وتقدمها الباهر، والذي أثبت ملاحظة كانت بالقياس إلى وقته من أعجب العجب، وهي انحناء الشعاع الضوئي عند ملامسته جسما منحنيا وعدم سيره في خط مستقيم1, كان على كل عبقريته العلمية تلك يقدم إنتاجه العلمي باسم الله، ويحمد الله ويثني عليه ويشكره على فيض نعمه عليه!
كلا! لم يكن العلم عند المسلمين مثارا للفتنة؛ لأنهم صاحبوه عدة قرون على