ذكرت الكتب المسيحية بأن تلك المؤلفات غير جديرة بالتفاتهم. فواحر قلباه! لقد نسي المسيحيون لغتهم، ولا يكاد يوجد منهم واحد في الألف قادر إلى إنشاء رسالة إلى صديق بلاتينية مستقيمة! ولكن إذا استدعى الأمر كتابة بالعربية فكم منهم من يستطيع أن يعبر عن نفسه في تلك اللغة بأعظم ما يكون من الرشاقة، بل لقد يقرضون من الشعر ما يفوق في صحة نظمه شعر العرب أنفسهم"1.
ولم يكن العلم وحده هو الذي أخذته أوروبا عن المسلمين بجانب الرغبة في الحياة والرغبة في النهوض؛ إنما أخذت كذلك المنهج الذي تقيم عليه العلم، هو المنهج التجريبي.
يقول بريفولت في كتاب "بناء الإنسانية Making of Humanity":
"فالعالم القديم -كما رأينا- لم يكن للعلم فيه وجود. وعلم النجوم عند اليونان ورياضياتهم كانت علوما أجنبية استجلبوها من خارج بلادهم وأخذوها عن سواهم، ولم تتأقلم في يوم من الأيام فتمتزج امتزاجا كليا بالثقافة اليونانية، وقد نظم اليونان المذاهب وعمموا الأحكام ووضعوا النظريات، ولكن أساليب البحث في دأب وأناة. وجمع المعلومات الإيجابية وتركيزها، والمناهج التفصيلية للعلم، والملاحظة الدقيقة المستمرة، والبحث التجريبي، كل ذلك كان غريبا تماما عن المزاج اليوناني، أما ما ندعوه "العلم" فقد ظهر في أوروبا نتيجة لروح من البحث جديدة، ولطرق الاستقصاء مستحدثة، من طرق التجربة والملاحظة والمقاييس، ولتطور الرياضيات إلى صورة لم يعرفها اليونان.. وهذه الروح، وتلك المناهج العلمية، أدخلها العرب إلى العالم الأوروبي"2.
كذلك لم يكن العلم وحده ولا المنهج التجريبي وحده ... يقول بريفولت:
"لقد كان العلم أهم ما جادت به الحضارة العربية "يقصد الإسلامية" على العالم الحديث، ولكن ثماره كانت بطيئة النضج ... إن العبقرية التي ولدتها ثقافة العرب في أسبانيا، لم تنهض في عنفوانها إلا بعد وقت طويل من اختفاء تلك الحضارة وراء سُحب الظلام، ولم يكن العلم وحده هو الذي أعاد أوروبا إلى