إنما الرغبة في الحياة، والرغبة في إقامة نهضة شاملة، كانت هي الأثر الذي أخذته أوروبا من احتكاكها بالمسلمين، وملامستها للحياة الموارة في العالم الإسلامي, وللنهضة الشاملة فيه.
وليس هذا فقط..
فإن أوروبا لم تغنم من احتكاكها بالمسلمين تلك الرغبة في لحياة والحركة وإقامة النهضة الشاملة فحسب، بل وجدت ذلك "مقومات" تلك النهضة بكاملها موجودة عند المسلمين, فأخذت منها كل ما وسعها أخذه، والعنصر الذي رفضت أخذه -وهو الإسلام- كان هو العنصر الوحيد القمين بترشيد تلك النهضة وإقالة أوروبا من عثرتها.. ولكنها رفضت- بدافع من العصبية الصليبية- فخسرت العنصر الجوهري، وأقامت نهضة عرجاء.. هي التي يعاني منها اليوم كل سكان الأرض!
نعم، لم تكن رغبة الحياة ورغبة النهوض وحدها هي كل ما أخذته أوروبا عن المسلمين.
لقد كانت أوروبا في جهالة تامة من كل علم إلا ما تملكه الكنيسة ورجال دينها من معلومات سطحية معظمها محشو بالأخطاء.
وعند المسلمين وجدوا "العلم".. في كل مجالات العلم.. في الطب والفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء إلى جانب العلوم الدينية الإسلامية التي كانت تدرس -جنبا إلى جنب- في الجامعات الإسلامية.
وقد مر بنا قول "روجر بيكون": "من أراد أن يتعلم، فليتعلم العربية، فإنها هي لغة العلم".
ونضيف هنا قولة "الفاور القرطبي" قبل ذلك بقرون في الأندلس:
"يطرب إخواني المسيحيون بأشعار العرب وقصصهم، فهم يدرسون كتب الفقهاء والفلاسفة المحمديين لا لتفنيدها، بل للحصول على أسلوب عربي صحيح رشيق، فأين تجد اليوم علمانيا يقرأ التعليقات اللاتينية على الكتب المقدسة؟ وأين ذلك الذي يدرس الإنجيل وكتب الأنبياء والرسل؟ واأسفاه! إن شباب المسيحيين الذين هم أبرز الناس مواهب، ليسوا على علم بأي أدب ولا أية لغة غير العربية، فهم يقرءون كتب العرب ويدرسونها بلهفة وشغف، وهم يجمعون منها مكتبات كاملة تكلفهم نفقات باهظة، وإنهم ليترنمون في كل مكان بمدح تراث العرب. وإنك لتراهم من الناحية الأخرى يحتجون في زراية إذا