الشحنة العقيدية، وهو الأقدر على ترجمتها في صورة واقعية حية؛ لأن من طبيعته أن ينفعل بما يتلقى ويشع من هذا الانفعال في داخل النفس يقينا اعتقاديا من جهة، وتوجها متحركا يتناسق مع هذا اليقين من جهة أخرى.
ولذلك كانت العقيدة الحية دائما هي التي تنشئ الأمم وتحكم السلوك البشري، وكانت دائما هي سبيل الهداية للبشرية.
ويحدث ولا شك فتور في العقيدة في نفوس الأمم ونفوس الأفراد، ويحدث ولا شك تفلت من المقتضيات السلوكية للعقيدة في صورة معاص وانحرافات، ولكن يظل الأمر في أسوأ حالاته مختلفا عن الشأن مع الفلسفة، فمع العقيدة هناك ارتباط قوي في أصله يمكن أن يطرأ عليه الضعف, ومع الفلسفة لا يوجد ارتباط على الإطلاق.
وموضوع الأولهية هو أصلا موضوع العقيدة ... أو هو موضوع "العقيدة" باعتبار الإنسان كائنا معتقدا بطبعه، عابدا بفطرته، حتى إن ضلت هذه الفطرة عن طريقها السوي لسبب من الأسباب، وليس معنى ذلك أنه محرم على الفلسفة -أو الفكر- أن يتناوله. ولكنه حين يتناوله على النحو الذي تناولته به الفلسفة الإغريقية العقلانية، وتبعها فيه فلاسفة النصارى فيما يعرف "باللاهوت" وفلاسفة المسلمين فيما يسمى "الفلسفة الإسلامية" أيك التناول الذهني التجريدي الخالص، يكون قد انحرف به عن طريقه الأصيل, وحوله إلى "كلام" و"أفكار" لا تنشئ سلوكا واقعيا، ولا تغير شيئا في حياة الناس.. فيتحول إلى زبد لا ينفع.
{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} 1.
وأما الانحراف الثالث الناشئ من التناول العقلاني لقضية الألوهية، وعدم الرجوع فيها إلى المصدر اليقيني الأوحد وهو الوحي الرباني، فهو تخبط الفلاسفة فيما بينهم وتعارض ما يقوله كل واحد منهم مع ما يقوله الآخر.
ولا عجب في ذلك، فما دام "العقل" هو المحكم في هذه القضية, فعقل من؟! إن العقل المطلق أو العقل المثالي تجريد لا وجود له في عالم الواقع! إنما الموجود في الواقع هو عقل هذا المفكر وذاك المفكر. ولكل منهم طريقته الخاصة في "تعقل" الأمور، ولكل منهم "نوازعه" الخاصة التي يحسبها بعيدة عن