إن موضوع الألوهية ليس موضوعا فلسفيا بالصورة التي تتناوله بها الفلسفة، إنما هو موضوع "العقيدة". الفرق بين الفلسفة والعقيدة أن الفلسفة تخاطب الذهن وحده، تبدأ من هناك وتنتهي هناك ... ولا تتجاوز الذهن إلى الواقع الحي الذي يعيشه الإنسان في الأرض، أما العقيدة فتخاطب الكيان الإنساني كله: عقله وجسمه وروحه وكل شيء فيه. إنها لا تسكن كما تسكن الفكرة في الذهن، ولا تتحرك حول نفسها في الفراغ كما تتحرك الفكرة في الذهن إن تحركت، إنما هي دائما تدفع الإنسان إلى "سلوك" معين ينبثق منها ويتناسق معها. وإلى "حركة" معينة وجدانية وسلوكية وفكرية في عالم الواقع.
ومن ثم لم تكن الفلسفة قط من وسائل الهداية للبشرية! إن غاية ما يمكن أن تصل إليه هو نوع من المتعة العقلية عند هواة هذا اللون من المتعة، وهم بطبيعتهم محدودون، ولكنها -وحدها- لم تنشئ قط أمة ولم تحرك أمة. والقليلون الذين يجدون فيها المتعة العقلية ينتهي بهم الأمر إلى هذا المتاع الذاتي ولا زيادة. أو إن تحركوا فلا تزيد حركتهم على محاولة إحداث هذه المتعة عند مجموعة قليلة حولهم.. ولا زيادة. إنها لا تهدف إلى إحداث "سلوك" معين في واقع حياة الناس، ولا تملك ذلك. ونظرة سريعة إلى واقع المجتمع الإغريقي الذي عاش فيه أولئك الفلاسفة والمفكرون الكبار تبين هذه الحقيقة بوضوح، فما كانت هناك صلة على الإطلاق بين "أفكار" هؤلاء الفلاسفة و"واقع" الناس. هؤلاء يتكلمون في "الحكمة" وفي السلوك الإنساني "كما ينبغي أن يكون" والمجتمع غارق في كل أنواع الفسق والرذيلة والفساد والظلم, لا يعني نفسه بشيء مما يملأ "أذهان" أولئك المفكرين.
أما العقيدة فلها شأن آخر..
إنها تخاطب العقل فيما تخاطبه من كيان الإنسان، ولكن لا من أجل المتعة العقلية كما تصنع الفلسفة، بل من أجل إحداث الوعي اللازم بحقيقة الألوهية، الذي يترتب عليه الوعي بالالتزام الواجب تجاه تلك الحقيقة ... أي: الالتزام بمقام العبودية، الذي يستلزم الحب والخشية والطاعة والاستقامة على أمر الله.
ثم إنها تخاطب الوجدان ... أو أقل إنها تركز خطابها مع الوجدان -وإن كانت قط لا تهمل مخاطبة العقل- لأن الوجدان هو الأداة المثلى لتحويل قيم العقيدة ومبادئها إلى سلوك عملي؛ لأنه حي منفعل متحرك. فهو الأقدر على تلقي