تلك هي العلمانية في مجالات الحياة المختلفة ... في السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلم والأخلاق والفن.. وكل نشاط يمكن أن يصدر عن "الإنسان" إن كان قد بقي له بعد ذلك كله مكان في عالم "الإنسان"!

وتقول العلمانية -الغربية على الأقل- إنها لا تحارب الدين! فمن شاء أن يتدين فليتدين! وانظر حولك تجد متدينين بالفعل لا تتعرض لهم العلمانية من قريب ولا من بعيد.

أرأيت لو أن إنسانا أطلق حولك كل أنواع الجراثيم الموجودة في الأرض، في الهواء الذي تتنفسه، في الماء الذي تشربه، في الطعام الذي تأكله، في الوجود الذي تلمسه، ثم قال لك إن أردت أن تظل سليما معافى فكن كما شئت، فنحن لا نتعرض لك! كم يكون قوله مسخرة المساخر، وكم يكون مغالطة مكشوفة؟!

وذلك فضلا عن أنه في عرف نفسه لا يعتبر ما يطلقه من حولك جراثيم.. بل يعتبرك أنت الجرثومة التي يخشى منها على كيانه، والتي لم يستطع أن يقضي عليها قضاء كاملا فتركها وهو يتمنى -من الشيطان- أن تزول!

{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} 1.

إن الدين -حتى بمعناه الغربي المشوه- لم يعد له مكان في العلمانية المعاصرة.

فإذا كان قد أخرج من عالم الاقتصاد ومن عالم الاجتماع ومن عالم العلم ومن عالم الأخلاق ومن عالم الفن، فماذا بقي له من واقع الحياة وماذا بقي له من النفس الإنسانية؟

بقيت له ساعة في الكنيسة من يوم الأحد من كل أسبوع عند أفراد من الناس!

نعم.. ولكن ما الدين حتى بالنسبة لهؤلاء؟

هل له واقع في حياتهم؟

هل يمنح قلوبهم الطمأنينة للأزمة لحياة الإنسان.. الطمأنينة التي تمنع التمزق النفسي وتمنع القلق والاضطراب؟

هل يمنح وجودهم معنى يحميهم من الإحساس بالضياع؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015