دماء ... قد قوبل باستنكار عنيف وقت ظهوره؛ لأن أوروبا -كما أسلفنا- كات نافرة من الدين منسلخة منه، ولكنها ما تزال تعترف "بالقيم" وتحاول الحفاظ عليها ولكن بشرط العثور على منبع آخر لها غير الدين.. ومن ثم ظهرت عدة نظريات تحاول أن تجعل للحكم "أخلاقا" ولكنها غير مستمدة من الدين، كما فعل جان جاك روسو في حديثه عن نظرية العقد الاجتماعي وأوجست كومت في فلسفته الوضعية ...
ولكن المنزلق "العلماني" كان لا بد أن يأخذ طريقه.. فمنذ استقلت السياسة عن الدين واستقلت عن الأخلاق المستمدة من معين الدين، لم يكن من الممكن أن تظل لها أخلاق!
والقرن -الجاهلي- العشرون خير نموذج لما نقول, فقد قامت في هذا القرن أبشع دكتاتوريات التاريخ!
ونظرة إلى ما وقع في أيام موسوليني وهتلر، وما وقع في الدول الشيوعية منذ الثورة الشيوعية حتى اليوم كفيلة بأن ترينا إلى أي مدى انحدرت السياسة "العلمانية" في تبرير الوسيلة بالغاية، وكلتا الوسيلة والغاية ما أنزل الله بها من سلطان!
في فاشية موسوليني ونازية هتلر كانت الغاية هي التجمع القومي والعزة القومية وإحلال قومية كل منهما مكانها "تحت الشمس"!
وفي سبيل هذه الغاية "التي قد تكون مشروعة في ذاتها إذا خلت من العدوان على الآخرين" استباح كل من الرجلين أن يقتل ألوفا ومئات الألوف من المعارضين باسم "حركات التطهير" و"وحدة الصف" و"القضاء على الثورة المضادة" و"القضاء على الطابور الخامس" وما أشبه ذلك من التعلات.
وفتحت معسكرات التعذيب، وذاق الشعب كله ويلات الجاسوسية والإرهاب.
وفي الثورة الشيوعية كانت الغاية إزالة الظلم "!! " الذي يقع على الناس من جراء الملكية الفردية والصراع الطبقي واستئثار الطبقة المالكة بالحكم والسلطان والمنافع على حساب الطبقة الكادحة! وقد مر بنا في فصل الشيوعية وصف العدل "! " الذي طبقته الشيوعية والوسائل النبيلة "! " التي طبقت بها ذلك العدل، ومن بينها ذبح ثلاثة ملايين ونصف مليون من المسلمين في عهد رجل واحد.. وإخضاع الشعب كله لألوان من الإرهاب نادرة في التاريخ!
أما الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية فهي التي تبيح احتراف المعارضة