أو الموقف الذي ينبغي عليهم اتخاذه. هذا بالإضافة إلى أن الأمور التي يسألون عنها هي أولا وقبل كل شيء أمور "الخلاص". الخلاص من أدران الحياة الدنيا للحصول على رضوان الله في الآخرة.
وكان رد الفعل أن الإنسان هو الذي ينبغي أن يستشار في الأمور كلها وليس الدين, وأن العقل البشري هو الذي ينبغي أن يكون صاحب القرار وليس الله. ولو كان الأمر متعلقا بالعقيدة أو الأمور الأخروية, وبمقدار ما كان العقل مكبوتا ومحجورا عليه، انطلق هذا العقل يريد أن يقتحم كل ميدان ولو كان خارجا عن اختصاصه! يقتحمه بروح أنه هو صاحب الحق الذي كان ممنوعا من حقه فهو يريد أن يؤكد هذا الحق. ويقتحمه بروح الشك، أو روح المحو لكل ما كان موجودا من قبل ولم يشترك فيه، فهو يريد أن ينشئه من جديد سواء وافق ما كان موجودا من قبل أو خالفه، والأجدر به أن يخالفه لكي يثبت وجوده.
بهذه الروح بدأ الكتاب و" المفكرون الأحرار" يهاجمون فكرة الألوهية وينفون الرسالات والوحي، وينفون الحياة الآخرة والجنة والنار, ويقولون إن هذه كلها أوهام تنبتها البشرية في غيبة من العقل. والآن وقد صحا العقل فقد آن الأوان لنبذها وتركها للهمج المتأخرين.. وربما كان خير ممثل لهذا الاتجاه هو "فولتير" الكاتب الفرنسي الملحد المشهور.
أما التأثير الثاني الذي أشرنا إليه فهو تأثير الجاهلية الإغريقية التي تصور العلاقة بين البشر والآلهة علاقة صراع وخصام لا يفتر: الآلهة تريد أن تقهر الإنسان وتكبته وتحطمه لكي لا يطمح في أن يكون مقتدرا مثلها، فلا تفتأ كلما حقق نجاحا أن تصب الكوارث فوق رأسه لكي لا يستمتع بثمرات نجاحه، وهو من جانبه دائم التحدي للآلهة، كلما وقع في حفرة من حفائرها عاد يستجع قواه ليصارعها من جديد، وتكفي أسطورة بروميثيوس الشهيرة لبيان هذا المعنى بصورة مباشرة إذ تزعم تلك الأسطورة أن "زيوس" إله الآلهة خلق الإنسان من قبضة من طين الأرض ثم سواه على النار المقدسة "التي ترمز إلى المعرفة" ثم وضعه في الأرض محاطا بالظلام "الذي يرمز إلى الجهل" فأشفق عليه كائن أسطوري يسمى بروميثيوس فسرق له النار المقدسة لكي ينير له ما حوله، فغضب زيوس على الإنسان وعلى بروميثيوس كليهما. فأما