ومن شأن الخلافة الهيمنة على الأرض والسيطرة عليها، والإنشاء والتعمير فيها، واستغلال الطاقات المذخورة في السموات والأرض، التي سخرها الله للإنسان من أجل عمارة الأرض، والمشي في مناكب الأرض لاستخلاص الأرزاق المكنونة فيها والظاهرة.
{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} 1.
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} 2.
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} 3.
بل إن المنهج الرباني ذاته يستدعي إيجابية الإنسان لتنفيذه, فهو لا ينطبق انطباقا آليا على الأحداث والأشياء، بل الإنسان المستبصر بالهدي الرباني هو الذي يطبقه ويجتهد بفكره ليضع تفصيلات تنفيذه، خاصة وهو منهج حياة كامل، يشمل الثابت والمتغير في حياة الإنسان، فلا بد أن يجتهد على الدوام ليضع للمتغير حلا مستمدا من المبادئ الثابتة في هذا المنهج.. ومن ثم يعمل الإنسان بإيجابيته الكاملة في التنفيذ، سواء إيجابية العزيمة اللازمة لإقامة المنهج والجهاد لإقراره في الأرض أو إيجابية التفكير في الوسيلة المثلى لإقامته.. بل إن قدر الله ذاته يجري من خلال أعمال الإنسان بالخير والشر سواء:
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 4.
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} 5.
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 6.
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} 7.
وهذا الدين الذي يعطي التوازن الصحيح بين الدنيا والآخرة، وبين فاعلية قدر الله وفاعلية الإنسان، وبين العبودية الكاملة لله والإيجابية السوية للإنسان، هو الدين الصحيح الذي تصلح به الحياة في الأرض، وتستقيم به خطى البشر في الحياة الدنيا8.