العلم. وكانت الحضارة التي عرفت أوروبا طرفا منها في الأندلس والشمال الإفريقي، وكان كل جميل من الأفكار والمشاعر وأنماط السلوك برغم كل الانحراف الذي طرأ على حياة المسلمين في تلك القرون، سواء من جانب الحكام أو من جانب المحكومين!

فلم يكن "الدين" في ذاته إذن هو مصدر السوء في الحياة الأوروبية في تلك الفترة "ولنذكر أن أسبانيا -وهي جزء من أوروبا- كانت مزدهرة في نفس الوقت بتأثير الدين الصحيح، كما كانت صقلية وغيرها من الأصقاع الأوروبية التي دخل فيها الإسلام" إنما كان "فساد الدين" هو السبب في ذلك الظلام الذي اكتنف أوروبا في قرونها الوسطى المظلمة الحالكة السواد.

وأوروبا لا تحب أن تصدق هذه الحقيقة في جاهليتها المعاصرة -مع أنها حقيقة موضوعية بحتة يشهد بصحتها كل ما كتبه مؤرخوهم المنصفون عن الحضارة الإسلامية- لأن مجرد تصديقها معناه أنهم كانوا مخطئين في نبذهم "الدين" كله بحجة فساد الدين الذي قدمته الكنيسة لهم، وأنهم ما زالوا مخطئين إلى هذه اللحظة للسبب ذاته ... وهم لا يريدون أن يرجعوا إلى الدين بأي وسيلة من وسائل الرجوع!

مرة أخرى لا نريد أن نحاسب أوروبا على انحرافاتها في مجال الدين والعقيدة، إنما نشرح فقط خطوات ذلك الانحراف.

كانت سيطرة الدين الكنسي على الحياة الأوروبية في قرونها المظلمة أمرا سيئا كما قلنا -برغم سيطرة بعض الفضائل الدينية على الحياة وخاصة في الريف الأوروبي- لأن ذلك الدين -بما حواه من انحرافات جذرية في العقيدة من ناحية، وفي فصل العقيدة عن الشريعة من ناحية أخرى, وفي فساد ممثليه من رجال الدين وجهالتهم من ناحية ثالثة-كان مفسدا للحياة ومعطلا لدفعتها الحية كما كان مفسدا للعقول ومعطلا لها عن التفكير السليم.

لذلك كان نبذ ذلك الدين والانسلاخ منه أمرا ضروريا لأوروبا إذا أرادت أن تتقدم وتتحضر وتعيش ...

ولكن البديل الذي اتخذته أوروبا بدلا عن دينها لم يكن أقل سوءا إن لم يكن أشد، وإن كان قد أتاح لها كل العلم والتمكن المادي الذي يطمح إليه البشر على الأرض، تحقيقا لسنة من سنن الله التي تجهلها أوروبا وتجهل حكمتها؛ لأنها لا تؤمن بالله وما نزل من الوحي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015