ويكتفون بجعل هذه الشريعة مجرد مواعظ خلقية وروحية من شاء أن يتقيد بها تقيد ومن شاء أن يتفلت منها فلا سلطان لأحد عليه في الأرض، بينما القانون الروماني يعاقب المخالفون له بالقتل أو الحبس أو ما سوى ذلك من العقوبات! وليس في الدين المنزل أن الأرض منبسطة وليست كروية، وأن من قال بكرويتها يحرق حيا في النار!
وليس في أن يفرض رجال الدين لأنفسهم -لا للفقراء والمساكين- عشور أموال الناس، ولا السخرة المجانية في أرض الكنيسة.
وليس فيه كل ما فعله رجال الدين من فضائح ومخاز ودناءات ... كصكوك الغفران والفساد الخلقي بكل أنواعه ومناصرة الكنيسة للمظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية الواقعة على الشعوب!
ولكن أوروبا حين أنشأت علمانيتها نبذت الدين كله، لم تفرق بين أباطيل الكنيسة وبين حقائق الدين!
وصحيح أن الدين الكنسي -بحقائقه وأباطيله- لم يكن صالحا للحياة، ولم يكن مقبولا عند الله:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} 1.
ولكن أوروبا -كما أشرنا من قبل- حين نبذت دين الكنيسة الفاسد لم تبحث عن الدين الصحيح، الذي يصدق الحقائق ويبطل الأباطيل.
كان الدين الكنسي ذا سطوة عنيفة على كل مرافق الحياة في أوروبا في قرونها الوسطى المظلمة، وكان ذلك أمرا سيئا شديد السوء، لا بسبب سيطرة "الدين" على الحياة كما خيل لأوروبا بغباء في جاهليتها المعاصرة، ولكن بسبب سيطرة الفساد الكامن في ذلك الدين الكنسي على كل مرافق الحياة!
ولكي نستيقن من الحقيقة في هذا الأمر ما علينا إلا أن نراجع فترة مقابلة "وموازية" من التاريخ، كان فيها الدين الصحيح ذا سيطرة عظيمة على كل مرافق الحياة.. تلك هي الفترة الأولى من حياة المسلمين التي امتدت حوالي سبعة قرون من الزمان ... فكيف كانت؟! كان الهدى، وكان النور، وكان