عامة الناس فيتضمن أنهم لا يصبحون مسيحيين إلا بتعميد الكاهن لهم، وليس لهم صلاة إلا بحضور الكاهن، أمامهم في مكان محدد هو الكنيسة، ولا يموتون موتا صحيحا إلا بإقامة قداس الجنازة لهم على يد الكاهن، ولا يعتقدون إلا ما يلقنهم إياه رجال الدين من شئون العقيدة، ولا يفكرون إلا فيما يسمح لهم رجال الدين بالتفكير فيه، وعلى النحو الذي يسمحون لهم به، ولا يتعلمون إلا ما يسمح لهم رجال الدين بتعلمه, ولرجال الدين فوق ذلك نفوذ على أموالهم وعلى أجسادهم وعلى أرواحهم أشرنا إلى جوانب منه من قبل.
هذا الدين -بهذه الصورة- مخالف للدين المنزل من عند الله في أكثريته.. ولكنه ليس خلوا بالمرة من حقائق الدين، وهذه شهادة الله فيهم:
{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} 1.
ففيه من حقائق الدين أن الله هو الذي خلق الكون كله، وهو الذي خلق الإنسان على هذه الصورة الإنسانية وجعله عاقلا مفكرا مريدا، وكلفه الأمانة، وكلفه عمارة الأرض والهيمنة عليها، وعرفه أن هناك بعثا ونشورا وحسابا وثوابا وعقابا يوم القيامة، وأن هناك جنة ونارا أبديتين يصير الناس إليهما كل بحسب عمله. وفيه من حقائق الدين كذلك أن الله حرم القتل والسرقة والزنا والربا والكذب والغش والخيانة.. وأوجب على الناس في حياتهم أخلاقيات معينة يتقيدون بها في تعاملهم بعضهم مع بعض، وأن الله شرع الزواج وحرم علاقات الجنس خارجه، وشرع الأسرة وأوجب صيانتها وجعل للرجل القوامة عليها.. إلى آخرما يجري هذا المجرى من حقائق الدين.
ولكن الدين المنزل من عند الله ليس فيه أن الله هو المسيح ابن مريم وأن الله ثالث ثلاثة، وليس فيه أن يشرع رجال الدين "الأحبار والرهبان" من عند أنفسهم فيحلوا ويحرموا بغير ما أنزل الله "كما أحلوا الخمر والخنزير وأبطلوا الختان" وليس فيه أن يطلب رجال الدين لأنفسهم سلطانا يرهبون به الناس ويفرضون عليهم ما أحلوا هم وما حرموا من دون الله, كما يفرضون عليهم الخضوع الكامل لأهوائهم في الوقت الذي لا يستخدمون فيه سلطانهم الرهيب في فرض شريعة الله على الأباطرة والملوك ليحكموا بها بدلا من القانون الروماني،