الكلمة هو إبعاد ما فهمته هي من معنى الدين عن واقع الحياة، متمثلا في "بعض" المفاهيم الدينية وفي تدخل "رجال الدين" باسم الدين في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر والعلم والأدب والفن.. وكل مجالات الحياة: ثم إقامة هذا كله بعيدا عن نفوذ الكنيسة من جهة. وبعيدا عن مفاهيم الدين كلها من جهة أخرى بصرف النظر عن وجود الكنيسة أو عدم وجودها.
بعبارة أخرى نقول إن ما نبذته أوروبا حين أقامت علمانيتها لم يكن هو حقيقة الدين -فهذه كانت منبوذة من أول لحظة! - إنما كان بقايا الدين المتناثرة في بعض مجالات الحياة الأوروبية أو في أفكار الناس ووجداناتهم. فجاءت العلمانية فأقصت هذه البقايا إقصاء كاملا من الحياة، ولم تترك منها إلا حرية من أراد أن يعتقد بوجود إله يؤدي له شعائر التعبد في أن يصنع ذلك على مسئوليته الخاصة، وفي مقابلها حرية من أراد الإلحاد والدعوة إليه أن يصنع ذلك بسند الدولة وضمانتها!.
كيف نشأت هذه العلمانية في أوروبا؟
أي: كيف أقصيت بقايا الدين من الحياة الأوروبية وصارت الحياة "لا دينية" تماما في كل مجالاتها العملية؟
نحتاج أن نتذكر أولا أنه في الوقت الذي لم يكن للدين الحقيقي وجود في أوروبا -سواء في صورة عقيدة صحيحة أو صورة شريعة حاكمة- كان هناك نفوذ ضخم جدا يمارس باسم الدين في مجال العقيدة وفي مجالات الحياة العملية كلها من قبل رجال الدين، ويتمثل في حس الناس هناك على أنه هو "الدين"!
أي: إن الصورة الواقعية للدين في أوروبا كانت تتمثل أولا في عقيدة مأخوذة من "الأناجيل" وشروحها تقول إن الله ثالث ثلاثة وإن الله هو المسيح ابن مريم، وتتمثل ثانيا في صلوات وقداسات ومواعظ واحتفالات تقام في الكنائس يوم الأحد بصفة خاصة، وتتمثل أخيرا -وليس آخرا- في نفوذ لرجال الدين على الملوك وعلى عامة الناس؛ فأما نفوذهم على الملوك فيتضمن أنهم لا يجلسون على عروشهم إلا بإذن الباب ومباركته، ولا يتولون سلطانهم على شعوبهم إلا بتولية البابا لهم، وإذا غضب عليهم البابا -غضبا شخصيا لا علاقة له البتة بتحكيم شريعة الله- نبذتهم شعوبهم ولم تذعن لأوامرهم. وأما نفوذهم على