عدم تطابقه مع المفاهيم الإسلامية، فإن "اللادينية" هي أقرب ترجمة تؤدي المقصود من الكلمة عند أصحابها، ولكنها مع ذلك سنظل نستخدم المصطلح المعروف عند الناس -مع بيان بعده عن الدقة- حتى يتفق الكتاب على نبذ هذا المصطلح المضلل، واستخدام اللفظة الأدق.

نبذ الدين وإقصاؤه عن الحياة العلمية هو لب العلمانية.

وتبدو نشأة العلمانية في أوروبا أمرا منطقيا مع سير الأحداث هناك، إذا رجعنا إلى الظروف التي شرحناها من قبل في التمهيد الأول من هذا الكتاب. أي: إلى عبث الكنيسة بدين الله المنزل، وتحريفه وتشويهه، وتقديمه للناس في صورة منفرة، دون أن يكون عند الناس مرجع يرجعون إليه لتصحيح هذا العبث وإرجاعه إلى أصوله الصحيحة المنزلة، كما هو الحال مع القرآن، المحفوظ -بقدر الله ومشيئته- من كل عبث أو تحريف خلال القرون.

فمن المعلوم أن الإنجيل المنزل من عند الله لم يدون على عهد المسيح عليه السلام، إنما تلقاه عنه حواريوه بالسماع، ثم تشتتوا تحت تأثير الاضطهاد الذي وقع على أصحاب الرسالة الجديدة سواء من اليهود أو من الرومان، فلما بدأ تدوينه بعد فترة طويلة من نزوله كان قد اختلط في ذاكرة أصحابه، كما اختلطت النصوص فيه بالشروح، ثم غلبت الشروح على النصوص.. ووقع الاختلاف والتحريف والتصحيف الذي يشير إليه كتاب التاريخ الأوروبي ومؤرخو الكنيسة على السواء، واستبد رجال الدين بشرح ما سمي الأناجيل "مع أن المنزل من عند الله إنجيل واحد لا معنى للتعدد فيه" ثم استبدوا أكثر بالاحتفاظ بعلم "الأسرار" التي نشأت من التحريف والتصحيف والتي لا أصل لها في دين الله المنزل، ثم زاد استبدادهم -كما أسلفنا في ذلك التمهيد- فصار طغيانا شاملا يشمل كل مجالات الفكر والحياة: طغيانا روحيا وفكريا وعلميا وسياسيا وماليا واجتماعيا.. وفي كل اتجاه.

فحين يحدث نفور من الدين في مثل هذا الجو فهذا أمر منطقي مع سير الأحداث وإن لم يكن منطقيا مع "الإنسان" في وضعه السوي، فإذا كان الإنسان عابدا بفطرته، وكان الدين جزءا من الفطرة أو هو طبيعة الفطرة، فإن الإنسان الراشد في مثل الوضع الذي وجدت فيه أوروبا كان ينبغي عليه أن ينبذ ذلك الدين الذي تحوطه كل تلك التحريفات في نصوصه وشروحه، وكل تلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015