ولقد وصل أفراد من البشر إلى هذا المستوى بالفعل مرة واحدة في التاريخ على عهد رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم، فكان كل إنسان منهم يبذل أقصى ما في طاقته من الجهد ابتغاء مرضاة الله فحسب, ثم لا يجد في نفسه حاجة مما أوتي ويؤثر أخاه على نفسه:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} 1.
{وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} 2.
ولسنا نقول إن هذه الصورة حدثت مرة واحدة وهي غير قابلة للتكرار في أي جيل قادم من أجيال البشرية، ولكنا نقول أولا إن هذا -بالتجربة- لم يحدث إلا ابتغاء مرضاة الله، ولا يمكن لأي قيمة أخرى من القيم -غير الإيمان الصادق بالله- أن ترفع الإنسان إلى هذه الصورة الرفيعة الشفيفة العالية.
ونقول ثانيا إنه ليس كل الناس يرتفعون إلى هذا المستوى السامق الرفيع، فقد كان إلى جوار هؤلاء -في نفس الجيل ومستمدين من نفس المنبع- من قال فيهم رب العالمين:
{هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ} 3.
والإسلام في واقعيته لا يفترض أن كل الناس يصلون إلى القمة، وإن كان يدعو كل الناس أن يحاولوا الصعود إليها، ثم يرضى منهم بما يصلون إليه في محاولتهم ما داموا لا يهبطون عن المستوى الذي حرم الله الهبوط عنه، أو ما داموا لا يصرون على الهبوط إذا غلبتهم مرة دوافع الشر رغم المجاهدة والتطلع إلى الخير:
{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} 4.
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَئِكَ