وليس فارق المتاع على أي حال هو الفارق الأهم أو الفارق الوحيد، إنما المهم فارق السلطان.

إن مجرد انتقال الإنسان من كونه فردا من أفراد الشعب إلى كونه عضوا في الحزب, ينقله من "شيء" لا وجود له إلى شيء آخر له وجود ملموس، سواء في نظر نفسه أو في نظر المجتمع من حوله؛ لأنه ينقله من طبقة المحكومين إلى طبقة الحكام الذين يسيطرون على كل شيء في المجتمع الشيوعي.. حتى لو كان هو في أسفل طبقة أولئك الحكام.

إن تركيز النفوذ في "الحزب" و"الدولة" و"الزعيم" هو الذي ينشئ ذلك الفارق الضخم بين "اللاشيئية" و"الشيئية" في المجتمع الشيوعي ... ولذلك يصبح أكبر مطمح للفرد العادي في المجتمع الشيوعي أن يضع قدمه -مجرد وضع- ولو على أدنى درجة من درجات ذلك النباء الشاهق الذي يمثل السلطان، فيتغير وجوده كله، بل يصبح في الحقيقة موجودا بعد أن لم يكن له وجود.

وسبيله إلى هذه النقلة الضخمة التي يتشهاها كل طامح إلى الوجود لا يخرج عن أمر من ثلاثة أمور، أشرفها جميعا- وأندرها- القيام بعمل غير عادي في خدمة "الوطن". أما السبيل الميسرة والمعتادة فهي الملق للحزب وللدولة وللزعيم، والظهور بمظهر التفاني في حبهم جميعا! أو التطوع بالجاسوسية وإلقاء الشبه على الأبرياء تقربا للسلطان وإظهارا للولاء!

أما دكتاتورية البروليتاريا فهي شيء بشع إلى أقصى درجات البشاعة التي يتخيلها الخيال، وبالرغم من كل المبررات التي تساق لتبرير النظام البوليسي القائم على الحديد والنار والتجسس فستبقى حقيقة واحدة لا سبيل إلى محوها ولا إنكارها، أن الدكتاتورية القائمة ليست -كما زعموا- دكتاتورية البروليتاريا، إنما هي الدكتاتورية الواقعة على البروليتاريا.

إن حجم الشعب الروسي -على وجه التقريب- هو مائتان وخمسون مليونا من البشر، والحزب الشيوعي يكون منه ستة ملايين، ستة ملايين من المحظوظين -على درجات مختلفة من الحظ- في وسط هذا الخضم الهائل من القطع الآدمية التي لا وزن لها ولا كيان. عملها أن تنتج كالآلة ثم تغرق في حمأة الجنس كالحيوان، وليس لها بين هذا وذاك قلوب ولا مشاعر ولا وجود.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015