والفارق بين أفراد الحزب -بدرجاته المختلفة- وبين أفراد الشعب هو ذات الفارق بين أية طبقة كانت مالكة وحاكمة من قبل وبين الشعب! فأدنى درجات الحزب -وهي العضوية العادية- تنشئ لتوها فارقا ضخما في كل شئون الحياة، وليست العبرة بوجود الملكية الفردية أو عدم وجودها فلم يكن منشأ الطبقية في المجتمعات الطبقية هو مجرد وجود الملكية الفردية كما زعم التفسير الجاهلي للتاريخ، إنما كان ما يترتب على الملكية من سلطان ونفوذ، انطلاقا من مبدأ أن الذي يملك هو الذي يحكم, أي: إن الطبقية في الواقع -وإن نبعت في المجتمعات الجاهلية من الملكية الفردية كما يقول التفسير المادي- إنما هي طبقية السلطان والنفوذ، التي تنبع من قدرة هذه الطبقة على التشريع لحساب نفسها وإلزام الآخرين بالخضوع لهذا التشريع.
وقد ألغيت الملكية الفردية من المجتمع الشيوعي, ولكن السلطان والنفوذ الذي تركز في "الحزب" قد جعل منه طبقة متميزة، لها كل سمات الطبقة ومميزاتها سواء في نوع المعيشة -أي: المتاع- أو في النفوذ والسلطان.
فمع أن العنوان العام في الشيوعية أنه لا أحد يملك شيئا ملكية فردية فإن هناك فارقا -لا شك- بين أن تكون أنت وأفراد أسرتك جميعا تسكنون في غرفة واحدة في مسكن شعبي بدورات مياه مشتركة "وغالبا ما تكون بلا أبواب! " وبين أن تكون ساكنا في "فيلا" خاصة أو في شقة كاملة في عمارة, حتى ولو كنت غير مالك للشقة أو ما في داخلها من الأثاث ملكية فردية!
هناك فارق في نوع المتاع ودرجته، وفارق في مشاعرك حين تكون هنا وحين تكون هناك.
ولست أناقش هنا شرعية هذا المتاع أو عدم شرعيته، إنما أقول فقط إنه في النظرية الشيوعية غير جائز وغير شرعي؛ أما في التطبيق فهو موجود، ويتسع الفارق كلما صعد الإنسان الدرجات في "الحزب" حتى يصبح عضوا في اللجنة التنفيذية العليا أو من الأعضاء البارزين في الحزب, فينقلب نعيمه ترفا ما كان يحلم به بعض القياصرة في زمانهم! والشعب في "أكواخه" العصرية، الأسرة كلها في غرفة واحدة تجمع الأم والأب والأطفال بنين وبنات ما دون سن التكليف، وتجري فيها العلاقات الزوجية بين الأم والأب -بحكم الأمر الواقع- في حضرة البنين والبنات، البالغين وغير البالغين!