الفرد من خلالها وجوده فلا تكون الملكية للفرد ولكن تكون للقبيلة في مجموعها، ثم تتناحر القبائل فيما بينها على الملكية إذا كانت الجاهلية هي التي تحكمها، وحين يكون فردا في تجمع أكبر من القبيلة يكون وجوده الفردي أكثر بروزا إلى أن يصبح فردا في أمة فتكون ذاتيته الفردية في أبرز أوضاعها، ثم يتناحر الأفراد -من خلال وجودهم الفردي أو وجودهم الطبقي- إذا كانت الجاهلية هي التي تحكمهم.

وعلى ذلك نقول إن الشيوعية الأولى -على فرض وجودها- ليست دليلا يقينيا على عدم وجود نزعة فطرية للتملك, إنما هي دليل فقط على عدم وجود نشاط ظاهر لهذه النزعة في تلك الفترة؛ لأنها نشطت بالفعل بمجرد وجود حوافز تستثيرها.

ونقول ثانيا إن هذه النزعة يمكن أن تهذب إلى درجة عالية جدا توشك أن تحولها إلى نزعة جماعية كما صنع التهذيب الإسلامي بالأنصار حتى جعلهم يؤثرون المهاجرين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة, ويقتسمون معهم كل ما يملكون من متاع الحياة الدنيا، حتى قال الله فيهم.

{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1.

ولكن هذا التهذيب لا يلغي النزعة الفطرية من أساسها إنما يرفعها إلى أنبل صورها مع الإبقاء على أصلها، ولو كان الله منزل هذا الدين الذي هذب النفوس إلى هذا الحد الرفيع يعلم -سبحانه وتعالى- أن إلغاءها بدلا من إبقائها وتهذيبها أنفع للإنسان أو أنسب لطبيعته لشرع سبحانه إلغاءها، ولكنا نجد التشريعات كلها والنصوص كلها تؤكد وجودها في فطرة الإنسان، ولكنها فقط تعمل على تهذيبها إلى أقصى ما يملك البشر من آفاق التهذيب، وهذا نموذج من النصوص التي تحوي الإثبات والدعوة في ذات الوقت إلى التسامي:

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ، قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015