الذي يقع على مجموع الأمة أقبل بكثير من الظلم الذي يقع في الجاهليات التي لا تحكم بما أنزل الله. والثاني: أن الأمة مطالبة بكف هذا الظلم ومنعه من الاستمرار وإلا فهم آثمون في حق الله، كما أنهم آثمون في حق أنفسهم، "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره, ثم إنه تخلف من بعد ذلك خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن. وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" 1.

وهكذا يتبدى لنا أن الشر لا ينجم من الملكية الفردية في ذاتها، فيكون العلاج هو بترها من منبتها، إنما ينجم من طبيعة الجاهلية التي لا تحكم بما أنزل الله، فيكون العلاج هو القضاء على الجاهلية وإدخال الناس في دين الله، وعندئذ تبقى الملكية الفردية التي شرعها الله لتستجيب للفطرة التي خلقها الله، تبقى على النحو الذي شرعه الله، وبالحدود والضوابط التي أنزلها الله.. ولا ينشأ الظلم الذي حرمه الله!

وقد أقفل الماديون كل باب للإصلاح وقالوا لا إصلاح على الإطلاق إلا بإلغاء الملكية الفردية إلغاء باتا لا هوادة فيه. فلما قيل لهم إن ذلك مضاد للفطرة ردوا -"علميا" كعهدهم في كل شيء- فقالو أولا إن الملكية الفردية ليست نزعة فطرية، وإنما هي مكتسبة، وقالوا ثانيا: إنه لا توجد "فطرة" على الإطلاق، إنما تنشأ المشاعر والأفكار والمواقف انعكاسا من الوضع المادي وتبعا له، ولا شيء منه ثابت على الإطلاق!

وبصرف النظر عن التناقض الضمني بين القول الأول والثاني؛ لأن الأول يتضمن الاعتراف بوجود نزعات فطرية في النفس البشرية, وإن نفى الملكية الفردية من بينها، والثاني ينفي وجود نزعات فطرية على الإطلاق.. بصرف النظر عن هذا التناقض نقول إن ادعاءهم بأن الملكية الفردية ليست نزعة فطرية هو مجرد ادعاء ليس عليه دليل علمي واحد ... إلا ذلك الدليل "غير العلمي" وهو وجود الشيوعية الأولى، التي افترضوها كأنها حقيقة مؤكدة ثم راحوا يستنبطون منها كل ما يراود مزاجهم من التصورات والتطبيقات سواء في نزع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015