وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1 فاحتج عدي بن حاتم على الشق الخاص بعبادة الأحبار والرهبان فقال: يا رسول الله ما عبدوهم! قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ألم يحلوا لهم الحرام فأحلوه، وحرموا عليهم الحلال فحرموه" , قال: بلى! قال: "فتلك عبادتهم إياهم! ".

وحين يخرج الناس على عبادة الله فإنهم يخرجون على مقتضى عبوديتهم فيصيبهم جزاء ذلك الخروج خبالا في الدنيا وجحيما في الآخرة.

وخبال الدنيا هو انقسام المجتمع إلى فريقي السادة والعبيد: السادة يملكون ويحكمون ويشرعون من عند أنفسهم فتكون تشريعاتهم لصالح أنفسهم على حساب العبيد، والعبيد -الذين رضوا بالعبودية لغير الله فأصبحوا عبيدا لبشر مثلهم- تقع عليهم التكاليف ويقع عليهم الظلم ويقع عليهم الحرمان.

ومن ثم تكون الملكية الفردية وبالا في الجاهلية..لا لأنها بطبيعتها كذلك. ولكنها لأنها تصبح عندئذ أداة الظلم التي تمكن للسادة في جعل أنفسهم أربابا للعبيد.

والسادة والعبيد كلاهما في الجاهلية قد رفضوا العبودية لله فتلقفتهم الشياطين: وجزاؤهم في الآخرة جهنم وبئس القرار. أما في الدنيا فيستمتع السادة متاع الحيوان:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} 2.

أما العبيد -أي: الذين لا يملكون- فلهم ذات الجزاء في الآخرة؛ لأنهم نكلوا عن عبادة الله ورضوا بعبادة العبيد، وفي الوقت ذاته لهم في الدنيا البؤس والشقاء والظلم يتجرعونه جزاء رضاهم باستعباد أنفسهم لأولئك الأرباب من دون الله.

أما حين يستقيم الناس على أمر الله، فيعبدونه وحده بلا شريك، ويرفضون العبودية لأحد مع الله أو من دون الله, أي: يرفضون التوجه بشعائر التعبد لغير الله، ويرفضون أن يتلقوا التشريع من عند أحد غير الله, فعندئذ يكونون قائمين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015