هذه المقتضيات من خلل في حياة البشرية.
إن من حق الله على عباده أن يعبدوه "بالمعنى الشامل للعبادة التي يشمل الاعتقاد بوحدانيته وتوجيه الشعائر التعبدية إليه وحده، وطاعته فيما أمر به ونهى عنه، وعدم الاحتكام في أي أمر من أمور حياتهم إلى شريعة غير شريعته" وذلك بمقتضى أنه إلههم وخالقهم: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} 1.
فبما أنه هو الخالق فهو صاحب الأمر. ولا يحق لأحد أن يكون صاحب الأمر إلا أن يكون هو الخالق، أو يكون خالقا مع الله، ولذلك يدور الجدل والحوار كله مع الكفار في القرآن بشأن قضية عبادة غير الله على محور واحد: هل أولئك الذين تطيعون تشريعهم من دون الله هم الخالقون؟ أم لهم شرك في الخلق؟ فإن لم يكونوا خالقين ولا لهم شرك في الخلق فليس لهم أن يحلوا أو يحرموا مع الله أو من دون الله.
{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} 2.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا} 3.
ولم يكن ذلك في أمر العبادة بمعنى الاعتقاد فقط، أو بمعنى التوجه إلى الله بشعائر التعبد فقط، إنما كان كذلك في أمر العبادة بمعنى اتباع ما أنزل الله:
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 4.
{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} 5.
وحين دخل عدي بن حاتم "وكان نصرانيا" على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليعلن إسلامه تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُم