وأن هذا الصراع لا يزول من الأرض إلا بإزالة السبب المتعلق به, أي: إزالة الملكية الفردية في جميع صورها.

بعض هذا الذي يراه أصحاب التفسير المادي للتاريخ صحيح ولا شك، ولكن صحته قائمة في نطاق محدد لا تتعداه إلى التعميم المطلق، وفضلا عن ذلك فإن المغالطات والأوهام حول الملكية الفردية أكثر بكثير من الحقائق الواردة حولها مع كون هذه الأخيرة محددة في نطاق معين وليست مطلقة الصحة في جميع الحالات.

فكون الذي يملك هو الذي يحكم, وكونه حين يحكم يشرع لصالحه وصالح طبقته على حساب بقية الطبقات.. هذا صحيح صحة كاملة، ولكن في نطاق الجاهليات وحدها التي تحكم بشرائع البشر ولا تحكم بشريعة الله.

وحقيقة أن الجاهليات تحتل القسم الأكبر من التاريخ البشري! ولكن وجود نظام إيماني تحكم فيه شريعة الله بدلا من شرائع البشر حقيقة موضوعية. والأمانة العلمية تقتضي استثناءه من القاعدة العامة التي يضعها التفسير المادي للتاريخ، ولو أن التفسير المادي للتاريخ وضع هذا الاستثناء وأشار إليه ما كان لنا عليه اعتراض في هذه النقطة بالذات "وإن كانت لنا عليه اعتراضات في مواضع أخرى أشرنا إلى بعضها في حينها ونشير إلى بعضها الآخر فيما بعد" فتاريخ الجاهليات بالفعل تاريخ ظالم شديد الظلم ينقسم فيه الناس دائما إلى سادة وعبيد. سادة يملكون ويحكمون ويشرعون، وعبيد لا يملكون شيئا ولا يحكمون ولا يشرعون، إنما تقع على عاتقهم الأعباء التي يلقيها عليهم الحاكمون.

وانقسام المجتمع إلى سادة وعبيد "أو إلى الذين استكبروا والذين استضعفوا كما جاء في القرآن الكريم" يتصل بالفعل بقضية الملكية الفردية، ولكن حصره في هذه القضية, أو في النطاق المادي والاقتصادي بصفة عامة هو حجب للحقيقة الأصلية التي تنشأ عنها تلك الحقيقة الفرعية التي يركز عليها التفسير المادي للتاريخ.

الحقيقة الأصلية التي لا يحب الماديون ذكرها على الإطلاق ولا يؤمنون بها كذلك، هي قضية الألوهية وقضية العبودية، قضية الإله وما ينبغي له على عباده، والعباد وما ينبغي عليهم تجاه إلههم وخالقهم، ثم ما يترتب على مخالفة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015