العهد السحيق على صورتها التي قامت فيما بعد.

فالخيام -إن كانوا من ساكني الخيام- يسكنها مجموعة أفراد القبيلة ويتعارفون فيما بينهم على أن فلانا يسكن في هذه الخيمة وفلانا الآخر يسكن في تلك، ولكن شعور كل فرد من أفراد القبيلة لا يتجه إلى ملكيته الخاصة للخيمة، إنما يتجه إلى اعتبار مجموع الخيام كلها ملكا للقبيلة بأجمعها، فيقول في نفسه: هذه خيام قبيلتي؛ لأن الوحدة يومئذ ليست هي الفرد إنما هي القبيلة، والفرد لا يمارس حياته فردا إنما يمارسها من خلال القبيلة، فيتحدث -حين يتحدث- بضمير الجمع، فيقول: ذهبنا وجئنا وصنعنا كذا وكذا.. لأن هذه الأعمال كلها تتم بالفعل بصورة جماعية.

كذلك الطعام لا تتصور فيه الملكية الفردية في ذلك العهد السحيق.

فالطعام في غالبيته صيد، سواء كان صيد بر أو بحر، والصيد يحتاج إلى مجموعة من الأفراد تقوم به -من الشباب بصفة خاصة- ولا يقدر عليه فرد واحد، فإذا جاء الصيد وتم طهيه على يد المختصين -أو المختصات- في القبيلة، فعندئذ تتجمع الوحدة التي يمارس الأفراد من خلالها وجودهم فتتناول وجبة الطعام الجماعية، ثم يلقى الباقي -إن بقي منه شيء- لأنه إن بقي ينتن ولا يصلح للطعام، فلم تكن وسائل الحفظ قد اكتشفت في ذلك العهد السحيق من بداوة البشرية.

ومن أجل كون الوحدة هي القبيلة وليست الفرد -وهو أصل نفسي واجتماعي وليس اقتصاديا بحتا- فإن القبيلة كلها تدخل في السلم أو تدخل في الحرب، فلا يتصور كذلك أن تكون هناك ملكية خاصة للصلاح داخل القبيلة؛ لأنه لا يستخدم إلى بصورة جماعية من خلال تلك الوحدة التي يمارس الأفراد من خلالها نشاطهم كله، فإذا تصورنا أن السلاح كله -رماحا أو سهاما أو عصيا أو ما أشبه- يوضع في مخزن واحد مشترك، وأنه حين ينادى على الحرب وتدق طبولها يهرع المقاتلون من أفراد القبيلة إلى ذلك المخزن المشترك فيتناول كل منهم نصيبه من السلاح، حتى إذا عادوا أعادوا السلاح إلى موضعه المشترك.. إذا تصورنا ذلك فلا نكون بعيدين عن الصواب. وحتى لو تصورنا أن شخصية الفرد قد نمت في داخل القبيلة شيئا من النمو في عهد متأخر فصار له سلاحه المستقل، فإنه لن يستخدمه إلا بإذن من القبيلة، وفي المواضع التي توجهه إليها القبيلة فحسب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015